الخميس، 19 يناير 2012

فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) هي الكوثر

يقول المفسرون في سبب نزول سورة الكوثر :
أن أحد أقطاب المشركين ، وهو العاص بن وائل ، التقى يوماً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند باب المسجد الحرام ، فتحدّث مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك بمرأى من جماعة من صناديد قريش ، وهم جلوس في المسجد الحرام ، فما أن أتمَّ حديثه مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفارقه ، جاء إلى أولئك الجالسين ، فقالوا له : من كنت تُحَدِّث ؟
قال : ذلك الأبتر ، وكان مقصوده من هذا الكلام أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليس له أولاد وعقب ، إذن سينقطع نسلُه ، فكان هذا سبباً لنزول سورة الكوثر وهي : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) سورة الكوثر .
رَدّاً على العاص الذي زعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبتر .
أما المعنى ، فهو أن الله سوف يُعطيك نسلاً في غاية الكثرة ، لا ينقطع إلى يوم القيامة .
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره : الكوثر أولاده ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن هذه السورة إنما نزلت رَدّاً على مَن عَابَهُ ( صلى الله عليه وآله ) بعدم الأولاد .
فالمعنى أنَّه سيعطيه نسلاً يبقون على مَرِّ الزمان ، فانظر كم قُتل من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لكن العالم ممتلئٌ منهم ، بينما لم يبق من بني أمية أحد يُعبَأُ به .
هذا وإنَّ للمفسرين آراءً أخرى في معنى الكوثر تصل إلى ( 26 ) رأياً ، منها : العِلْم ، النبوَّة ، القرآن ، الشفَاعة ، شَرَف الجنة ، الحوض ، إلى غيرها من الأقوال في معنى الكوثر ، لكنَّ جميع ما قيل في معنى الكوثر يندرج تحت عنوان الخير الكثير ، فلا تناقض بين الأقوال إذن .
وممّا يؤيِّد ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قد فَسَّر الكوثر بالخير الكثير ، فقال له سعيد بن جبير : ان أناساً يقولون هو نهر في الجنة .
فقال : هو من الخير الكثير .
ولعلَّ أحسن الأقوال وأكثرها إنطباقاً على سبب نزول السورة هو ما قيل بأن المراد من الكوثر كثرة النسل والذرية .
وقد ظهر ذلك في نسله ( صلى الله عليه وآله ) من ولد فاطمة ( عليها السلام ) ، إذ لا ينحصر عددهم ، بل يتَّصل بحمد الله إلى آخر الدهر مَدَدهم ، وهذا يطابق ما ورد في سبب نزول السورة .
بل وهذا الرأي أرجحُ في ميزان التحليل العلمي المُحايِد ، لأن الآية جاءت رداً على تعيير النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعدم استمرار نسله ، فنزلت الآية لكي تُقرِّر في الحقيقة أمرين :
الأول : أنَّ البنت هي كالابن ، من حيث اعتبارها من الذرِّية والنسل والعقب .
الثاني : إن الله عَزَّ وجَلَّ سَيرزُقُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) من هذه البنت نسلاً وذرية ، وإن اسمه ( صلَّى الله عليه وآله ) سيبقى حياً ومتألقاً على مرِّ العصور ، وعلى طول التاريخ .
والمتأمِّل في التأريخ الإسلامي على امتداده إلى يومنا هذا ، يتيقَّن عمق الأصالة الإيمانية ، والروح المحمدية في مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولذا نجد أن حقَّهم ( عليهم السلام ) من الحقوق الواجب على المؤمنين والمؤمنات معرفتها ، كمعرفتهم وطاعتهم وموالاتهم ، وغير ذلك من الحقوق الأخرى .
ولم يوجب الله تعالى علينا أداء حقوقهم ( عليهم السلام ) إلاَّ لأنهم أهل الحق ، والنجاة ، والصراط المستقيم ، وباب الله العظيم .
ولقد تكرَّم الله تعالى على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) بفيوضات كثيرة ، وَنِعَمٍ متعدِّدة ، وهباتٍ جزيلة ، ذكرها في كتابه الكريم .
ويكفيه ما أعطاه من نعمة الرضا فقال : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
ولكن مع ذلك لا يفوتنا أن نذكر ما تحصل عليه ( صلى الله عليه وآله ) من خير هو أساس الخير كله على الأمة الإسلامية عامة ، وعلى الأمة الشيعية خاصة , ألا وهو الكوثر .

أخيراً :

وبناءً ما مرَّ نقول : إنَّ كلَّ المعاني التي جاءت لتوضيح الكوثر - وإن اختَلَفَت في ألفاظها - إلا أنَّ لها اتِّحاد في المعنى ، وتُصَبُّ تحت قالب واحد ، وهو كون تَمَتَّع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالخير السخِي المُستمر .
والله تعالى إضافة للبُشرى المستمرة في بقاء هذه النعمة واستمرارها ليوم القيامة ، يشير سبحانه إلى قضية الإخبار بالمستقبل أيضا ، وهذا إخبار إعجازي يدل ويثبت ظهور الخير بعد زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، سواء بَعُدَ أم قَرُب .
ولو رجعنا إلى سبب نزول السورة لعرفنا أن القوم وسموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأبتر ، أي الشخص المَعْدوم العقب ، وجاءت الآية لتقول : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) الكوثر : 1 .
إذن فالخير الكثير ، أو الكوثر هي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، لماذا ؟ ، لأن نسل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) انتشر بواسطة الزهراء ( عليها السلام ) ، مع العلم أن امتداد الذرية الطيِّبة لم يكن فقط جسماني ، بل رساليٌ أيضاً .
وبما أن علماء الأمة الإسلامية هُم حُمَاة الشريعة ، والذين يدفعون عنها كل الشُبُهات فما كان عِلمهم إلاَّ من نتاج هذا الكوثر .
وكون المذهب الشيعي منبثق من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهُم درٌّ مستخرج من بحر فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ولؤلؤ أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، والعلماء يأخذون من فيض هذا البحر العميق بلا قاع .
فيمكن القول أيضاً : إن من مصاديق الكوثر هو ما يقدّمه العلماء الكرام من خدمات رسالية جليلة للإسلام .

فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) نموذج المرأة الكاملة

كان بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة ، تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله .
إنّ الزهراء خرّيجة مدرسة الوحي ، وهي تعلم أنّ مكان المرأة من المواقع المهمّة في الإسلام ، وإذا ما تخلّت عنه وسرحت في الميادين الأُخرى عجزت عن القيام بوظائف تربية الأبناء كما ينبغي .
لقد كانت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تبذل قصارى جهدها لإسعاد أُسرتها ، ولم تستثقل أداء مهام البيت ، رغم كلّ الصعوبات والمشاق ، حتّى أنّ علياً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رقّ لحالها وامتدح صنعها ، وقال لرجل من بني سعد : ( ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، وإنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد .
فقلت لها : لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل ، فأتت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوجدت عنده حدّاثاً فاستحت فانصرفت ) .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فَعلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّها جاءت لحاجة ) .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فغدا علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن في لِفاعنا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : السلام عليكم ، فقلت : وعليك السلام يا رسول الله أُدخل ، فلم يعد أن يجلس عندنا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة ، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ) ؟
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فخشيت إن لم تجبه أن يقوم ، فقلت : أنا والله أُخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتّى أثّرت في صدرها ، وجرّت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها .
فقلت لها : لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أفلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ، إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبّرا أربعاً وثلاثين ) .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( مَضَيتِ تريدين من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الدنيا ، فأعطانا الله ثواب الآخرة ) .
وروي أنّه دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) فوجده هو وفاطمة ( عليهما السلام ) يطحنان في الجاروش ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أيّكما أعيى ) ؟ فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فاطمة يا رسول الله ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قومي يا بنية ) ، فقامت وجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) موضعها مع الإمام علي ( عليه السلام ) فواساه في طحن الحبّ .
وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ( يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائهِ ) ، فأنزل الله تعالى ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة ( عليها السلام ) تطحن وتعجن وتخبز ) .
وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة ( عليها السلام ) : ( أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أتى يوماً فقال : أين ابناي ) ؟ يعني حسناً وحسيناً ، ( فقلت : أصبحنا وليس عندنا في بيتنا شيء يذوقه ذائق . فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : اذهب بهما إلى فلان ؟ فتوجّه إليهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، ألا تقلب إبنيّ قبل أن يشتدّ الحرّ عليهما ؟ فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : أصبحنا وليس في بيتنا شيء ، فلو جلست يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة تمرات ، فلمّا اجتمع له شيء من التمر جعله في حجره ثمّ عاد إلى البيت ) .
هذه هي الدنيا في عين فاطمة ( عليها السلام ) مواجهة للمعاناة ، وتألّم من الجوع ، وانهيار من التعب ، ولكن كلّ ذلك يبدو ممزوجاً بحلاوة الصبر وندى الإيثار ، لأنّ وراءه نعيماً لا انتهاء له ، حصة يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب .
إنّ إلقاء نظرة فاحصة على حياة الزهراء ( عليها السلام ) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقّة لم تتغيّر حتّى بعد أن أصبحت موفورة المال ، في سعة من العيش ـ خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها فدكاً وغيرها ـ عمّا كانت عليه قبل ذلك رغم غلّتها الوافرة ، إذ روي أنّ فدكاً كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار ، وفي رواية سبعين ألف دينار سنوياً .
فالزهراء ( عليها السلام ) لم تعمّر الدور ، ولم تبن القصور ، ولم تلبس الحرير والديباج ، ولم تَقْتَنِ النفائس ، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين ، وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام .

وصية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام )

دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فوجدها تطحن شعيراً وهي تبكي ، فقال لها ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما الذي أبكاك يا فاطمة ؟ ﻻ أبكى الله لك عيناً ) ؟
فقالت ( عليها السلام ) : ( أبكاني مكابدة الطحين ، وشغل البيت وأنا حامل ، فلو سألت عليّاً أن يشتري جارية تساعدني على الطحين ، وشغل البيت ) .
فجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) وألقى الطحين في الرحى وهي تدور وحدها حتّى فرغ ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أسكني أيّتها الرحى ) .
ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا فاطمة ! لو شاء الله تعالى لطحنت الرحى وحدها ، وكذلك أراد الله تعالى أن يكتب لك الحسنات ، ويمحو عنك السيّئات ، ويرفع لك الدرجات في الجنّة في احتمال الأذى والمشقّات .
يا فاطمة ! ما من امرأة طحنت بيديها ، إلاّ كتب الله لها بكلّ حبّة حسنة ، ومحا عنها بكلّ حبّة سيّئة .

يا فاطمة ! ما من امرأة عرقت عند خبزها ، إلاّ جعل الله بينها وبين جهنّم سبعة خنادق من الرحمة .

يا فاطمة ! ما من امرأة غسلت قدرها ، إلاّ غسلها الله من الذنوب والخطايا .

يا فاطمة ! ما من امرأة نسجت ثوباً إلاّ كتب الله لها بكلّ خيط واحد مائة حسنة ، ومحا عنها مائة سيّئة .

يا فاطمة ! أفضل أعمال النساء المغازل .

يا فاطمة ! ما من امرأة برمت مغزلها ، إلاّ كان له دويّ تحت العرش ، فتستغفر لها الملائكة في السماء .

يا فاطمة ! ما من امرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها ، إلاّ كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع ، وأكسى ألف عريان .

يا فاطمة ! ما من امرأة دهّنت رؤوس أولادها ، وسرّحت شعورهم ، وغسلت ثيابهم ، وقتلت قمّلهم ، إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة حسنة ، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة ، وزيّنها في أعين النّاس أجمعين .

يا فاطمة ! ما من امرأة منعت حاجة جارتها ، إلاّ منعها الله الشرب من حوضي يوم القيامة .

يا فاطمة ! خمسة من الماعون ﻻ يحلّ منعهنّ : الماء ، والنّار ، والخمير ، والرحى ، والإبرة ، ولكلّ واحد منهنّ آفة ، فمن منع الماء بلي بعلّة الاستسقاء ، ومن منع الخمير بلي بالغاشية ، ومن منع الرحى بلي بصداع الرأس ، ومن منع الإبرة بلي بالمغص .

يا فاطمة ! أفضل من ذلك كلّه رضا الله ، ورضا الزوج عن زوجته .

يا فاطمة ! والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو متّ ، وزوجك غير راض عنك ما صلّيت عليك .

يا فاطمة ! أما علمت أنّ رضا الزوج من رضا الله ، وسخط الزوج من سخط الله ؟

يا فاطمة ! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها ، ولو ساعة من النهار .

يا فاطمة ! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة ، إلاّ كان لها عند الله أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها .

يا فاطمة ! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار ، إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة في جسمها حسنة ، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة .

يا فاطمة ! إنّ أفضل عبادة المرأة في شدّة الظلمة أن تلتزم بيتها .

يا فاطمة ! أيّ امرأة رضي عنها زوجها ، لم تخرج من الدنيا حتّى ترى مقعدها في الجنّة ، ولا تخرج روحها من جسدها حتّى تشرب من حوضي .

يا فاطمة ! ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلاّ وجبت لها الجنّة .

يا فاطمة ! امرأة بلا زوج كدارٍ بلا باب ، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة .

يا فاطمة ! جلسة بين يدي الزوّج أفضل من عبادة سنة ، وأفضل من طواف .

يا فاطمة ! إذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء ، والحيتان في البحر ، وكتب الله لها في كلّ يوم ألف حسنة ، ومحا عنها ألف سيّئة .

فإذا أخذها الطلق ، كتب الله لها ثواب المجاهدين وثواب الشهداء والصالحين ، وغسلت من ذنوبها كيوم ولدتها أمّها ، وكتب الله لها ثواب سبعين حجّة .

فإن أرضعت ولدها كتب الله لها بكلّ قطرة من لبنها حسنة ، وكفّر عنها سيّئة ، واستغفر لها الحور العين في جنّات النعيم .

يا فاطمة ! ما من امرأة عبست في وجه زوجها ، إلاّ غضب الله عليها وزبانية العذاب .

يا فاطمة ! ما من امرأة منعت زوجها في الفراش ، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس .

يا فاطمة ! ما من امرأة قالت لزوجها : أفّاً لك ، إلاّ لعنها الله ، من فوق العرش والملائكة والنّاس أجمعين .

يا فاطمة ! ما من امرأة خفّفت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً ، إلاّ كتب الله لها بكلّ درهم واحد قصراً في الجنّة .

يا فاطمة ! ما من امرأة صلّت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها ، إلاّ ردّ الله عليها صلاتها ، حتّى تدعو لزوجها .

يا فاطمة ! ما من امرأة غضب عليها زوجها ، ولم تسترض منه حتّى يرضى ، إلاّ كانت في سخط الله وغضبه ، حتّى يرضى عنها زوجها .

يا فاطمة ! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها ، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس حتّى ترجع إلى بيتها .

يا فاطمة ! ما من امرأة نظرت إلى وجه زوجها ولم تضحك له ، إلاّ غضب الله عليها في كلّ شيء .

يا فاطمة ! ما من امرأة كشفت وجهها لغير زوجها ، إلاّ أكبّها الله على وجهها في النار .

يا فاطمة ! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها ، إلاّ أدخل الله في قبرها سبعين حيّة وسبعين عقربة ، يلدغونها إلى يوم القيامة .

يا فاطمة ! ما من امرأة صامت صيام التطوّع ولم تستشر زوجها ، إلاّ ردّ الله صيامها .

يا فاطمة ! ما من امرأة تصدّقت من مال زوجها ، إلاّ كتب الله عليها ذنوب سبعين سارقاً ) .
فقالت له فاطمة ( عليها السّلام ) : ( يا أبتاه ، متى تدرك النساء ، فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى ) ؟
فقال لها ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألا أدلّك على شيء تدركين به المجاهدين وأنت في بيتك ) ؟ فقالت : ( نعم يا أبتاه ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( تصلّين في كلّ يوم ركعتين تقرئين في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة ، و( قل هو الله أحد ) ثلاث مرّات ، فمن فعل ذلك ، كتب الله له ولها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى ) .

وصية فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) للإمام علي ( عليه السلام )

في الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها ـ طيلة هذه المدّة ـ من الوصايا التي يجب تنفيذها .
فقالت ( عليها السلام ) لعلي ( عليه السلام ) : ( يا بن عمّ ، إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي ، وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أُوصيك بأشياء في قلبي ) .
قال لها الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله ) ، فجلس عند رأسها ، وأخرج من كان في البيت ، فقالت ( عليها السلام ) : ( يا بن عمّ ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ) ؟
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( معاذ الله أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم ، وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي ، وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لابد منه ، والله لقد جدّدتِ عليَّ مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها ، وآلمها وأمضّها وأحزنها !! هذه مصيبة لا عزاء منها ، ورزية لا خلف لها ) .
ثمّ بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ الإمام ( عليه السلام ) رأسها وضمّها إلى صدره ، ثمّ قال : ( أوصيني بما شئت ، فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به ، وأختار أمركِ على أمري ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( جزاكَ الله عنّي خير الجزاء ، يا بن عمّ أُوصيك أوّلاً : أن تتزوّج بعدي بابنة أختي امامة ، فإنّها تكون لولدي مثلي ، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء ) .
ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ) .
ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( يا بن العمّ ، إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي ، فإنّي طاهرة مطهّرة ، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصَلِّ عليَّ ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي ، وادفني ليلاً لا نهاراً ، وسرّاً لا جهاراً ، وعفَّ موضع قبري ، ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني .
يا بن العمّ ، أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي ، فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً ، واجعل لأولادي يوماً وليلةً ، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين ، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أُمّهما ) .
وروى ابن عباس وصية مكتوبة لها ( عليها السلام ) جاء فيها : ( هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأَنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأَنّ الله يبعث من في القبور .يا علي أنا فاطمة بنت محمّد ، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل ، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل ، ولا تُعلم أحداً ، وأستودعك الله ، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة ) .

وقوف فاطمة ( عليها السلام ) إلى جنب أبيها ( صلى الله عليه وآله )

منذ أن دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة المنوّرة كان دائباً على هدم أركان الجاهلية واستئصال جذورها وضرب مواقعها ، فكانت حياته في المدينة المنوّرة كما كانت في مكّة حياة جهاد وبناء ، جهاد المشركين والمنافقين واليهود والصليبيين ، وبناء الدولة الإسلامية العظيمة ، ونشر الدعوة وتبليغها في كلّ بقعة يمكن لصوت التوحيد أن يصل إليها ، فراح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحارب بالكلمة والعقيدة تارةً ، وبالسيف والقوّة تارةً أُخرى ، وبالأُسلوب الذي يمليه الموقف وتفرضه الحكمة .
وهكذا جاهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقاتل في مرحلة حرجة صعبة ، لم يكن يملك فيها من المال والجيوش والاستعدادات العسكرية ما يعادل أو يقارب جيوش الأحزاب وقوى البغي والضلال التي تصدّت لدعوة الحق والهدى ، بل كانت كلّ قواه قائمة في إيمانه وانتصاره بربّه وبالفئة المخلصة من أصحابه .
والذي يقرأ تاريخ الدعوة وجهاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وصبره واحتماله ، يعرف عظمة هذا الإنسان المبدئي ، ويدرك قوّة عزيمته ومدى صبره ورعاية الله ونصره له ولأُولئك المجاهدين الذين حملوا راية الجهاد بين يديه ، فيكتشف مصدر النصر والقوّة الواقعيين .
ولقد مرّت هذه الفترة الجهادية الصعبة بكامل ظروفها وأبعادها بفاطمة ( عليها السلام ) ، وهي تعيش في كنف زوجها وأبيها ، تعيش بروحها ومشاعرها ، وبجهادها في بيتها ، وفي مواساتها ومشاركتها لأبيها ، في شدّته ومحنته ، فقد شهدت جهاد أبيها وصبره واحتماله ، شاهدته وهو يُجرح في ( أُحد ) وتُكسر رباعيته ، ويخذله المنافقون ، ويستشهد عمّ أبيها حمزة أسد الله ونخبة من المؤمنين معه .
روي أنّه لمّا انتهت فاطمة ( عليها السلام ) وصفية إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ـ بعد معركة أُحد ـ ونظرتا إليه قال ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : ( أمّا عمّتي فاحبسها عنّي ، وأمّا فاطمة فدعها ) ، فلمّا دنت فاطمة ( عليها السلام ) من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورأته قد شُجّ وجهه وأُدمي فوه ، صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول : ( اشتدّ غضب الله على مَنْ أدمى وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )) ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء .
وكانت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تحاول تضميد جرح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقطع الدم الذي كان ينزف من جسده الشريف ، فكان زوجها يصبّ الماء على جرح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهي تغسله ، ولما يئست من انقطاع الدم أخذت قطعة حصير وأحرقتها حتّى صار رماداً فذرّته على الجرح حتّى انقطع دمه .
ويحدّثنا التأريخ عن مشاركة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بروحها ومشاعرها لأبيها في كفاحه وصبره وجهاده في أكثر من موقع .
فقد روي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قدم من غزاة له ، فدخل المسجد فصلّى فيه ركعتين ، ثمّ بدأ ـ كعادته ـ ببيت فاطمة قبل بيوت نسائه ، جاءها ليزورها ويسر بلقائها ، فرأت على وجهه آثار التعب والإجهاد ، فتألّمت لمّا رأت وبكت ، فسألها ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما يبكيك يا فاطمة ) ؟
فقالت ( عليها السلام ) : ( أراك قد شحب لونك ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) لها : ( يا فاطمة إنّ الله عز وجل بعث أباكِ بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ دخله به عزّاً أو ذلاً يبلغ حيث يبلغ الليل ) .
وليست هذه العاطفة وتلك العناية والمشاركة مع الأب القائد والرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) من ابنته فاطمة ( عليها السلام ) هي كلّ ما تقدّمه لأبيها من إيثارها له واهتمامها به ، ومشاركتها له في شدّته وعسرته ، إنّها جاءت يوم الخندق ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهمك مع أصحابه في حفر الخندق لتحصين المدينة وحماية الإسلام ، جاءت وهي تحمل كسرة خبز فرفعتها إليه ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما هذه يا فاطمة ) ؟
قالت ( عليها السلام ) : ( من قرص اختبزته لابنيّ ، جئتك منه بهذه الكسرة ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا بنية أما إنّها لأوّل طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث ) .
هذه صورة مشرقة لجهاد المرأة المسلمة تصنعها فاطمة في ظلال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهي تشارك بكلّ ما لديها لتشد أزر الإسلام وتكافح جنباً إلى جنب مع أبيها وزوجها وأبنائها في ساحة واحدة وخندق واحد ، لتدوّنَ في صحائف التأريخ درساً عملياً تتلقاه الأجيال من هذه الأُمّة المسلمة ، فتتعلّم حياة الإيمان التي تصنعها عقيدة التوحيد بعيدة عن اللهو والعبث والضياع .

ولادة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

اسمها ونسبها(عليها السلام)

السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله) بن عبد الله بن عبد المطلّب.

كنيتها(عليها السلام)

أُمّ الحسن، أُمّ الحسنين، أُمّ الريحانتين، أُمّ الأئمّة، أُمّ أَبيها... والأُولى أشهرها.

ألقابها(عليها السلام)

الزهراء، البتول، الصدّيقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدّثة... وأشهرها الزهراء.

تاريخ ولادتها(عليها السلام) ومكانها

20 جمادى الثانية في السنة الخامسة للبعثة النبوية، مكّة المكرّمة.

أُمّها(عليها السلام) وزوجها

أُمّها السيّدة خديجة بنت خويلد(رضي الله عنها)، وزوجها الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

مدّة عمرها(عليها السلام)

18 سنة.

فضائلها(عليها السلام)

للسيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) فضائل كثيرة، فكانت من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت، وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير، وافتخر جبرائيل بكونه منهم، وشهد الله لهم بالصدق، ولها أُمومة الأئمّة(عليهم السلام)، وعقب الرسول‏(صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين .
وكانت أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول الله‏(صلى الله عليه وآله) تحكي شيمتها شيمته، وما تخرم مشيتها مشيته.
وقال(صلى الله عليه وآله) في فضلها: «فاطمة بضعة منّي، مَن سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ البرية عليَّ»(1).

حملها(عليها السلام)

لمّا حملت خديجة(عليها السلام) بفاطمة الزهراء(عليها السلام)، كانت فاطمة(عليها السلام) تحدِّثُها من بطنها وتصبِّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله).
فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً، فسمع خديجة تحدِّث فاطمة(عليها السلام)، فقال(صلى الله عليه وآله) لها: «يا خديجة، مَن تُحدِّثين»؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدِّثني ويُؤنسني.
فقال(صلى الله عليه وآله): «يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنّها أُنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه».
فلم تزل خديجة(عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن: تعالين لتلينّ منِّي ما تَلي النساءُ من النساء، فأرسلنَ إليها: أنتِ عصيتنا، ولم تقبلِي قولنا، وتزوّجت مُحمّداً يتيم أبي طالب، فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء ولا نَلي من أمرك شيئاً.
فاغتمّت خديجة(عليها السلام) لذلك، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سُمر طوال، كأنّهنّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ.
فقالت إحداهنّ: «لا تحزني يا خديجة، فإنّا رُسُل ربِّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتُكِ في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثمّ أُخت موسى بن عمران، بعثنا اللهُ إليك لِنَلي منكِ ما تلي النساءُ من النساء».
فجلست واحدة عن يمينها، وأُخرى عن يسارها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة الزهراء(عليها السلام) طاهرة مُطهّرة.
فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النُور حتّى دخل بيوتات مكّة، فلم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضعٌ إلّا أشرق منه ذلك النور، ودخلن عشر من الحور العين، كلُّ واحدة منهن معها طست وإبريق من الجنّة، وفي الإبريق ماء من الكوثر.
فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضائين أشدّ بياضاً من اللّبن، وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية.
ثمّ استنطقتها، فنطقت فاطمة(عليها السلام) بالشهادتين وقالت: «أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إلّا اللهُ، وَأنّ أبِي رَسُولَ اللهِ سَيِّدَ الأنْبِيَاءِ، وأنّ بَعْلِي سَيِّدَ الأوصِيَاءِ، وَولْدِي سَادَة الأسْبَاطِ».
ثمّ قالت النسوة: «خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها»، فتناولتها فرحة مستبشرة، وألقمتها ثديها فدرّ عليها.
وكانت فاطمة الزهراء(عليها السلام) تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وتنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة(2).

انعقاد نطفتها(عليها السلام) من ثمار الجنّة

عن ابن عباس قال: كان النبي(صلى الله عليه وآله) يُكثر القبل لفاطمة، فقالت له عائشة: إنّك تكثر تقبيل فاطمة!! فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّ جبرائيل ليلة أسري بي أدخلني الجنّة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماءً في صلبي، فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبّلت فاطمة، فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها»(3).
وعن سعد بن مالك قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أتاني جبرائيل(عليه السلام) بسفرجلة من الجنّة، فأكلتها ليلة أُسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة»(4).
ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الأمالي للمفيد: 260.
2ـ اُنظر: الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: 56.
3ـ ذخائر العقبى: 36.
4ـ مستدرك الصحيحين 3/156.

الهجوم على دار فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

رفض الإمام علي ( عليه السلام ) البيعة لأبي بكر ، وأعلن سخطه على النظام الحاكم ، ليتّضح للعالم أنّ هذه الحكومة التي أعرض عنها الرجل الأوّل في الإسلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا تمثّل الخلافة الواقعية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك فعلت الزهراء فاطمة ( عليها السلام ) ليعلم الناس أنّ ابنة نبيّهم ساخطة عليهم ، وهي تدينها فلا شرعية لهذا الحكم .
وبدأ الإمام علي ( عليه السلام ) من جانب آخر جهاداً سلبياً ضد الغاصبين للحقّ الشرعي ، ووقف مع الإمام علي ( عليه السلام ) عدد من أجلاّء الصحابة من المهاجرين والأنصار وخيارهم ، وممّن أشاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بفضلهم ، مع إدراكهم لحقائق الأُمور مثل : العباس بن عبد المطلب ، وعمار بن ياسر ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وخزيمة ذي الشهادتين ، وعبادة بن الصامت ، وحذيفة بن اليمان ، وسهل بن حنيف ، وعثمان بن حنيف ، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم ، من الذين لم تستطع أن تسيطر عليهم الغوغائية ، ولم ترهبهم تهديدات الجماعة التي مسكت بزمام الخلافة ، وفي مقدّمتهم عمر بن الخطّاب .
وقد قام عدد من الصحابة المعارضين لبيعة أبي بكر بالاحتجاج عليه ، وجرت عدّة محاورات عليه في مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وفي أماكن عديدة ، ولم يهابوا من إرهاب السلطة ، ممّا ألهب مشاعر الكثيرين الذين أنجرفوا مع التيار ، فعاد إلى بعضهم رشده وندموا على ما ظهر منهم من تسرّعهم واندفاعهم لعقد البيعة بصورة ارتجالية لأبي بكر ، بالإضافة إلى ما ظهر منهم من العداء السافر تجاه أهل بيت النبوّة ( عليهم السلام ) .
وكانت هناك بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل : أسد ، وفزارة ، وبني حنيفة وغيرهم ، ممّن شاهد بيعة يوم الغدير التي عقدها النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) بإمرة المؤمنين من بعده ، ولم يطل بهم المقام حتّى سمعوا بالتحاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الرفيق الأعلى ، والبيعة لأبي بكر وتربّعه على منصّة الخلافة ، فاندهشوا لهذا الحادث ورفضوا البيعة لأبي بكر جملةً وتفصيلاً ، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة الجديدة باعتبارها غير شرعية ، حتّى ينجلي ضباب الموقف ، وكانوا على إسلامهم يقيمون الصلاة ويؤدّون جميع الشعائر .
ولكنّ السلطة الحاكمة رأت أنّ من مصلحتها أن تجعل حدّاً لمثل هؤلاء الذين يشكّلون خطراً للحكم القائم ، ما دامت معارضة الإمام علي ( عليه السلام ) وصحابته تمثّل خطراً داخلياً للدولة الإسلامية ، عند ذلك أحسّ أبو بكر وأنصاره بالخطر المحيط بهم وبحكمهم من خلال تصاعد المعارضة إن لم يبادروا فوراً إلى ايقاف هذا التيار المعارض ، وذلك بإجبار رأس المعارضة ـ الإمام علي ( عليه السلام ) ـ على بيعة أبي بكر .
ذكر بعض المؤرّخين : أنّ عمر بن الخطّاب أتى أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ يا هذا لم تصنع شيئاً ما لم يبايعك علي ! فابعث إليه حتّى يبايعك ، فبعث أبو بكر قنفذاً ، فقال قنفذ لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أجب خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال علي ( عليه السلام ) : ( لَسريع ما كذبتم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) ، فرجع فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر ، فقال عمر ثانيةً : لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة ، فقال أبو بكر لقنفذ : عُد إليه فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فجاءهُ قنفذ ، فأدّى ما أمر به .
فرفع علي ( عليه السلام ) صوته وقال : ( سبحان الله ! لقد إدّعى ما ليس له ) ، فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة ، فبكى أبو بكر ، فقال عمر : قم إلى الرجل ، فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة .
وظنّت فاطمة ( عليها السلام ) أنّه لا يدخل بيتها أحدٌ إلاّ بإذنها ، فلمّا أتوا باب فاطمة ( عليها السلام ) ودقّوا الباب ، وسمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : ( يا أبتِ يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ، لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جنازة بأيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقّاً ) .
فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تتصدّع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، ودعا عمر بالحطب ونادى بأعلى صوته : والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة ، فقال : وإن .
فوقفت فاطمة ( عليها السلام ) خلف الباب وخاطبت القوم : ( ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله ؟ والله متّم نوره ) .
فركل عمر الباب برجله فاختبأت فاطمة ( عليها السلام ) بين الباب والحائط رعاية للحجاب ، فدخل القوم إلى داخل الدار ممّا سبّب عصرها ( عليها السلام ) ، وكان ذلك سبباً في إسقاط جنينها محسن .
وتواثبوا على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتّى أخرجوه ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى السقيفة ، فحالت فاطمة ( عليها السلام ) بينهم وبين بعلها ، وقالت : ( والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً ، ويلكم ما أسرع ما خُنتم الله ورسوله فينا أهل البيت ، وقد أوصاكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا ) ، فأمر عمر قنفذاً بضربها ، فضربها قنفذ بالسوط ، فصار بعضدها مثل الدملج .
فأخرجوا الإمام ( عليه السلام ) يسحبونه إلى السقيفة حيث مجلس أبي بكر ، وهو ينظر يميناً وشمالاً وينادي : ( وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم ، وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم ) !! وقد مرّوا به على قبر أخيه وابن عمّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنادى : ( يا ابن أُم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .
وروي عن عدي بن حاتم أنّه قال : والله ما رحمت أحداً قطّ رحمتي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين أُتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر ، وقالوا له : بايع ! قال : ( فإن لم أفعل فَمَه ) ؟ قال له عمر : إذاً والله أضرب عنقك ، قال علي ( عليه السلام ) : ( إذاً والله تقتلون عبد الله وأخا رسوله ) .
فقال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ، فقال : ( أتجحدون أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) آخى بيني وبينه ) ؟! وجرى حوار شديد بين الإمام ( عليه السلام ) وبين الحزب الحاكم .
وعند ذلك وصلت السيّدة فاطمة ( عليها السلام ) وقد أخذت بيد ولديها الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وما بقيت هاشمية إلاّ وخرجت معها ، يصحن ويوَلوِلن ، فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ( خلّوا عن ابن عمّي !! خلّوا عن علي !! والله لأكشفن رأسي ولأضعنّ قميص أبي على رأسي ولأدعوَنَّ عليكم ، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي ، ولا فصيلها بأكرم على الله من ولدي ) .
وجاء في رواية العياشي أنّها قالت : ( يا أبا بكر ، أتريد أن ترملني عن زوجي وتيتّم أولادي ؟ والله لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ، ولأشقّنّ جيبي ، ولآتينَّ قبر أبي ، ولأصرخنَّ إلى ربّي ) ، فأخذت بيد الحسن والحسين تريد قبر أبيها ، عند ذلك تصايح الناس من هنا وهناك بأبي بكر : ما تريد إلى هذا ؟ أتريد أن تنزل العذاب على هذه الأُمّة ؟
وراحت الزهراء ( عليها السلام ) وهي تستقبل المثوى الطاهر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تستنجد بهذا الغائب الحاضر : ( يا أبتِ يا رسول الله ! ( صلى الله عليه وآله ) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ) ؟ فما تركت كلمتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن وعيوناً جرت دمعاً .

نبش قبر فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

لقد أوصت السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بعدّة وصايا ، منها أوصته أن يدفنها ليلاً وسراً ، حيث ورد عنها أنها قالت ( عليها السلام ) له : ( أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ) .
وقد عمل الإمام علي ( عليه السلام ) بوصيتها ، فقد أخرج الإمام علي ( عليه السلام ) مع مجموعة من أهل بيته وأصحابه ، جنازة الزهراء ( عليها السلام ) إلى مقبرة البقيع ـ باعتبارها مقبرة المدينة الرئيسية ـ ، وقيل : دفنت في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ودفنها هناك ليلاً ، ثمّ عمل ( عليه السلام ) مجموعة من القبور حتى لا يعرف قبرها .
ولمّا أصبح الصباح من تلك الليلة التي دفنت فيها السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، أقبل الناس ليشيّعوا جنازة الزهراء ( عليها السلام ) ، فبلغهم الخبر أنّها قد دفنت البارحة سراً .
فتوجّهوا إلى البقيع يبحثون عن قبر فاطمة ( عليها السلام ) ، فاُشكل عليهم الأمر ، ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيّدة نساء العالمين ، فضجّ الناس ، ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لن يخلف نبيّكم إلاّ بنتاً واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ، والصلاة عليها ، ولا تعرفون قبرها .
ثمّ قال ولاة الأمر منهم : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتّى نخرجها ، فنصلي عليها ، فبلغ ذلك الإمام علي ( عليه السلام ) ، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه ودرت أوداجه ، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة ، وهو متكئ على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد البقيع .
سبقت الأخبار عليّاً إلى البقيع ، ونادى مناديهم : هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآمرين ، فتلقّاه بعضهم فقال له : ما لك يا أبا الحسن ، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها ، فضرب الإمام ( عليه السلام ) بيده إلى جوامع ثوبه ، فهزّه ثمّ ضرب به الأرض .
وقال ( عليه السلام ) : ( أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس ، وأما قبر فاطمة فوالله الذي نفس علي بيده لأن رمت وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم ، فإن شئت فأعرض ) .
فتلقاه آخر فقال : يا أبا الحسن ، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش إلاّ خليت عنه ، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه ، فخلّى عنه وتفرّق الناس ، ولم يعودوا إلى ذلك .

منزلة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

مما لا شك فيه أن نبي الهدى محمد ( صلى الله عليه وآله ) : ( لاَ يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم : 3 - 4 .
فما يصدر منه مع خاصَّة أهله مما فيه الميزة على ذوي قرباه وأمته منبعث عن سِرٍّ إلهي ، رُبَّما يقصر العقل عن إدراكه .
وقد ورد عنهم ( عليهم السلام ) في المتواتر من الآثار : ( حديثُنا صَعبٌ مُستَصْعَب ، لا يتحمَّلُهُ إلا مَلَكٌ مُقرَّب ، أو نَبيٌّ مُرسَل ، أو عَبدٌ امتحَنَ اللهُ قَلبَهُ بِالإِيمَان ) .
فما ورد في الروايات من مميِّزات آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) – مما لا تحيله العقول – لا يُرمى بالإعراض ، بعد إمكان أن يكون له وجه يظهره المستقبل الكَشَّاف .
وعلى هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السُّنَّة والشيعة من فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع ابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من الإكثار في تقبيل وجهِها حتى أنكَرَت عليه بعض أزواجه فقال ( صلى الله عليه وآله ) رَادّاً عليها : ( وما يَمنَعُني من ذلك ، وَإنِّي أَشَمُّ منها رائحة الجَنَّة ، وهي الحَوراء الإِنسِيَّة ) .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يقوم لها إن دَخَلَتْ عليه ، مُعَظِّماً وَمُبَجِّلاً لها ، وإذا سافرَ ( صلى الله عليه وآله ) كانَ آخرُ عَهدِهِ بإنسانٍ مِن أهلِه ابنتَهُ فاطمة ( عليها السلام ) ، وإذا رجع من السفر فأوَّل مَا يَبتدِئُ بِها .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) وقد أخذ بيده الشريفة الحسنين ( عليهما السلام ) : ( مَن أحَبَّنِي وَهَذَين وأبَاهُما وأُمَّهُمَا كان مَعي في دَرَجَتِي يَوم القِيامَة ) .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يقف عند الفجر على باب فاطمة ( عليها السلام ) ستة أشهر بعد نزول آية التطهير ، يُؤذَّنهم للصَّلاة ثم يقول : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً ) الأحزاب 33 .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) : ( يا بُنَيَّة ، مَن صَلَّى عَليك غَفَر اللهُ لَهُ ، وأَلحَقَهُ بي حَيثُ كنتُ من الجَنَّة ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبَهُم ، وَسِلمٌ لِمَن سَالَمَهُم ، وَعَدُوٌ لِمَن عَادَاهُم ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( فَاطِمَةٌ بضعَةٌ مِنِّي يُؤذِينَي مَا آذَاهَا ، وَيُرِيبُنِي مَا رَابَهَا ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( إِنَّ فَاطمةَ بضعَةٌ مِنِّي ، يُغضِبُنِي مَن أَغضَبَهَا ) .
وإلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي تنمُّ عَمَّا حَباها المُهَيمِن جَلَّ شَأنُه من ألطاف ومزايا اختصَّت ( عليها السلام ) بها دون البشر ، وكيف لا تكون كذلك ، وقد اشتُقَّت من النور الإلهي الأقدس .
ولقد عَلِمنا من مقام النبوة ، ومِمَّا ورد في نصوص السُّنَّة النبوية والعَلَوِيَّة أنَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يُحِبْ أحداً لِمَحضِ العاطفة ، أو واشجة القُربى .
فما يلفظه ( صلى الله عليه وآله ) من قول ، أو ينوء به من عمل ، ولا سيما في أمثال المقام ، لا يكون إلا عن حقيقة راهنة ، وليس كمن يحدوه إلى الإطراء الميول والشهوات .
فما صدر منه ( صلى الله عليه وآله ) من خصائص الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) لا يكون إلا عن وحي يحاول أن يرفع مستواها عن مستوى البشر أجمع .
فالرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) لم يصدع إلا بحقائق راهنة ، جعلتها يَدُ المشيئة حيث أجرت عليها سَيلَ الفضلِ الرُّبُوبِي ، فهي نماذج عن الحقيقة المُحَمَّدية المجعولة حلقة بين المبدأ والمنتهى ، ورابطة بين الحديث والقديم .
وبالنسبة إلى آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً ) الأحزاب 33 .
فقد اتفقت آراء المفسرين وأرباب الحديث والتاريخ على أنها نزلت فيمن اشتمل عليهم الكِسَاء .
وهم : النَّبيُّ الأعظمُ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه وآله ) ، وَوَصيَّهُ المُقَدَّمُ عَلِيٌّ بن أبي طالب أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) ، وابنَتُهُ فَاطِمَةُ الزهراءِ ( عليها السلام ) ، وَسِبطَاهُ سَيِّدَا شباب أهل الجَنَّة الحَسَنِ والحُسَيْنِ ( عليهما السلام ) .
ولم يُخْفَ المُرادُ من الرِّجسِ المَنفِي في الآية الكريمة بعد أن كانت وَارِدَة في مقام الامتنان واللُّطف بمن اختصَّت بهم .
فإِنَّ الغرضَ بمقتضى أداة الحصر قَصرُ إرادةِ المولى سبحانه على تطهير مَن ضَمَّهُمُ الكِسَاء عن كُلِّ ما تَستقذِرُه الطِّبَاع ، ويأمر به الشيطان ، ويَحقُّ لأجله العذاب ، ويُشِينُ السُّمْعَةَ ، وتُقتَرفُ بِه الآثامُ ، وتَمُجُّه الفِطرَة ، وَتسقُطُ به المُرُوءَة .

مكانة الزهراء ( عليها السلام )

عن ابن عباس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي ، وأكرم الناس عليَّ ، فأحبِب من أحبَّهم ، وأَبغِض من أبغضهم ، ووالِ من والاهم ، وعاد من عاداهم ، وأعنْ من أعانهم ، واجعلهم مطهرين من كل رجس ، معصومين من كل ذنب ، وأيِّدهم بروح القدس منك ) .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا علي أنت إمام أمَّتي ، وخليفتي عليها بعدي ، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنَّة ، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور ، عن يمينها سبعون ألف مَلَك ، وعن يسارها سبعون ألف مَلَك ، وبين يديها سبعون ألف مَلَك ، وخلفها سبعون ألف مَلَك ، تقود مؤمنات أمَّـتي إلى الجنة .
فأيُّمَا امرأة صَلَّت في اليوم والليلة خمسَ صلوات ، وصامت شهرَ رمضان ، وحَجَّتْ بيتَ الله الحرام ، وزكَّت مالَها ، وأَطاعت زوجَها ، ووالت عليّاً بعدي ، دخلت الجنـَّة بشفاعة ابتني فاطمة ، وإنها لسيدة نساء العالمين ) .
فقيل : يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ذاك لمريم بنت عمران ، فأمَّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأوَّلين والآخرين ، وإنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف مَلَك من الملائكة المقرَّبين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم ، فيقولون : يا فاطمة : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ ) آل عمران : 42 .
ثم التفت ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي ( عليه السلام ) فقال : ( يا علي ، إنَّ فاطمة بضعة مني وهي نور عيني ، وثمرة فؤادي ، يسوؤُني ما سَاءَهَا ، ويسرُّني ما سَرَّها ، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي ، فأحسن إليها بعدي ، وأما الحسن والحسين فهما ابنايَ وريحانتايَ ، وهما سَيِّدا شباب أهل الجنَّة ، فَلْيَكْرُمَا عليك كَسَمْعِكَ وَبَصَرِكَ ) .
ثم رفع ( صلى الله عليه وآله ) يده إلى السماء فقال : ( اللهم إني مُحِبٌّ لمن أحبَّهم ، ومُبغِضٌ لمن أبغضهم ، وسِلْمٌ لِمَن سَالَمَهُم ، وحَربٌ لِمن حَارَبَهُم ، وَعدوٌّ لمن عَادَاهم ، ووليٌّ لمن وَالاهم ) .

مفاخرة بين فاطمة وعلي ( عليهما السلام ) بمحضر النبي ( صلى الله عليه وآله )

قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا وولد فاطمة ذات التقى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة خديجة الكبرى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا ابن الصفا .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة سدرة المنتهى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا فخر الورى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة من دنى فتدلّى وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا ولد المحصنات .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا بنت الصالحات والمؤمنات .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : خادمي جبرائيل .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا خاطبي من السماء راحيل ، وخدمتني الملائكة جيلاً بعد جيل .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا ولدت في المحلّ البعيد المرتقى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا زُوّجت في الرفيع الأعلى ، وكان ملاكي في السماء .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا حامل اللواء .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة من عرج به إلى السماء .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا ابن صالح المؤمنين .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة خاتم النبيّين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا الضارب على التنزيل .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الشجرة التي تخرج أُكلها .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا المثاني والقرآن الحكيم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الكريم .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا النبأ العظيم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة الصادق الأمين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا الحبل المتين .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة خير الخلق أجمعين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا ليث الحروب .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا من يغفر الله به الذنوب .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا المتصدّق بالخاتم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة سيّد العالم .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا سيّد بني هاشم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة محمّد المصطفى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا الإمام المرتضى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة سيّد المرسلين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا سيّد الوصيّين .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة النبي العربي .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا الشجاع الكمي .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة أحمد النبي .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا المبطل الأروع .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا الشفيع المشفع .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا قسيم الجنّة والنار .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة محمّد المختار .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا قاتل الجان .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة رسول الملك الديّان .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا خيرة الرحمان .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا خيرة النسوان .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا مكلّم أصحاب الرقيم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة من أرسل رحمة للمؤمنين وبهم رؤوف رحيم .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا الذي جعل الله نفسي نفس محمّد ( صلى الله عليه وآله ) حيث يقول في كتابه العزيز : ( وأنفسنا وأنفسكم ) .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الذي قال فيّ : ( ونساؤنا ونساؤكم وأبناؤنا وأبناؤكم ) .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا علّمت شيعتي القرآن .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا يعتق الله من أحبّني من النيران .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا شيعتي من علمي يسطرون .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا من بحر علمي يغترفون .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا الذي اشتقّ الله تعالى اسمي من اسمه فهو العالي وأنا علي .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا كذلك فهو الفاطر وأنا فاطمة .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا حياة العارفين .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا مسلك نجاة الراغبين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا الحواميم .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة الطواسين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا كنز الغنى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الكلمة الحسنى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا بي تاب الله على آدم في خطيئته .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا بي قبل الله توبته .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا كسفينة نوح من ركبها نجا .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا أشاركك في الدعوى .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا طوفانه .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا سورته .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا النسيم المرسل لحفظه .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا منّي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل في الجنان .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا الطور .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الكتاب المسطور .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا الرقّ المنشور .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا البيت المعمور .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا السقف المرفوع .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا البحر المسجور .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا علم النبيين .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا ابنة سيّد المرسلين من الأوّلين والآخرين .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا البئر والقصر المشيّد .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا منّي شبّر وشبير .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا بعد الرسول خير البرية .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا البرّة الزكية .
فعندها قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا تكلّمي عليّاً فإنّه ذو البرهان .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا ابنة من أُنزل عليه القرآن .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا البطين الأصلع .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : أنا الكوكب الذي يلمع .
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فهو الشفاعة يوم القيامة .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا خاتون يوم القيامة .
فعند ذلك قالت فاطمة ( عليها السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تحام لابن عمّك ودعني وإيّاه .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : يا فاطمة أنا من محمّد عصبته ونخبته .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا لحمه ودمه .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : أنا الصحف .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الشرف .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا وليّ الزلفى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا الخمصاء الحسناء .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : وأنا نور الورى .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : وأنا فاطمة الزهراء .
فعندها قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة : ( يا فاطمة ! قومي وقبّلي رأس ابن عمّك ، فهذا جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، مع أربعة آلاف من الملائكة يحامون مع علي ( عليه السلام ) ، وهذا أخي راحيل ودردائيل مع أربعة آلاف من الملائكة ينظرون بأعينهم ) .
فقامت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقبّلت رأس الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقالت : ( يا أبا الحسن ، بحقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معذرة إلى الله عزّ وجلّ وإليك ، وإلى ابن عمّك ) !
فوهبها الإمام ( عليه السلام ) وقبّلت يد أبيها ( عليه وعليها السلام ) .

معاشرة فاطمة ( عليها السلام ) للإمام علي ( عليه السلام )

عاشت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في بيت أعظم شخصية إسلامية بعد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) على الإطلاق ، رجل مهمّته حمل راية الإسلام والدفاع عنه .
وكانت الظروف السياسية حسّاسة وفي غاية الخطورة يوم كانت جيوش الإسلام في حالة إنذار دائم ، إذ كانت تشتبك في حروب ضروس في كلّ عام ، وقد اشترك الإمام علي ( عليه السلام ) في أكثرها .
وكانت الزهراء ( عليها السلام ) توفّر الجوّ اللازم ، والدفء والحنان المطلوب في البيت المشترك ، وبهذا كانت تشترك في جهاد الإمام علي ( عليه السلام ) أيضاً ، فإنّ جهاد المرأة حسن التبعّل كما ورد في الحديث الشريف .
لقد كانت الزهراء ( عليها السلام ) تشجّع زوجها ، وتمتدح شجاعته وتضحيته ، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة ، وتسكّن جراحه وتمتص آلامه ، وتسرّي عنه أتعابه ، حتّى قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( ولقد كنت أنظر إليها فتنجلي عنّي الغموم والأحزان بنظرتي إليها ) .
ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجية ، وما خرجت فاطمة ( عليها السلام ) من بيتها يوماً بدون إذن زوجها ، وما أسخطته يوماً ، وما كذبت في بيته وما خانته ، وما عصت له أمراً ، وقابلها الإمام علي ( عليه السلام ) بنفس الاحترام والودّ ، وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة ، حتّى قال ( عليه السلام ) : ( فو الله ما أغضبتها ، ولا أكربتها من بعد ذلك حتّى قبضها الله إليه ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ) .
وعن أبي سعيد الخدري قال : أصبح الإمام علي ( عليه السلام ) ذات يوم ساغباً فقال : ( يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه ) ؟ قالت ( عليها السلام ) : ( لا ، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء ، وما كان شيء أُطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أُؤثرك به على نفسي ، وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين ) .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً ) ؟ فقالت ( عليها السلام ) : ( يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه ) .
هكذا عاش هذان الزوجان النموذجيان في الإسلام ، وأدّيا واجباتهما ، وضربا المثل الأعلى للأخلاق الإسلامية .
وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ليلة زفاف الإمام علي ( عليه السلام ) : ( يا علي ، نِعمَ الزوجة زوجتك ) ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) : ( يا فاطمة نعِم البعل بعلُك ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : ( لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ ) .

مطالبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بِفَدَك

لمَّا استقام الأمر إلى الخليفة أبي بكر ، بَعَثَ إلى فَدَك من أخرج وكيل فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) منها .
فجاءت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) إلى أبي بكر ، ثم قالت : ( لِمَ تَمْنَعْنِي مِيرَاثِي يَا أبَا بَكْرٍ مِنْ أبِي رَسُولِ الله ( صل الله عليه وآله ) ؟ وأخْرَجْتَ وَكيلي مِنْ فَدَك ؟ وَقَدْ جَعَلَها لِي رَسُولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِأمْرِ اللهِ تَعَالَى ؟ ) .
فقال لها أبو بكر : هَاتِي على ذلك بشهود .
فجاءت ( عليها السلام ) بأمِّ أيمن بركة بنت ثعلبة ، التي قال عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( أمُّ أيْمَنٍ أمِّي بَعْدَ أُمِّي ) .
وكان ( صلى الله عليه وآله ) يُكرمها ويَزورها .
فقالت أم أيمن لأبي بكر : لا أشْهَدُ يَا أبا بَكْرٍ حتى أحتجَّ عليكَ بِما قالَهُ رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أُنْشِدُك بالله ، ألَسْتَ تَعْلَم أنَّ رَسولَ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( أمُّ أيْمَنٍ امْرَأةٌ مِنْ أهْلِ الجنَّة ) .
فقال : بلى .
قالت : فأشْهدُ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) الروم : 38 ، فجعل ( صلى الله عليه وآله ) فدكاً لفاطِمَةَ بِأمرِ اللهِ تَعالى .
ثم شهد علي ( عليه السلام ) بِمِثل ما شهدَتْ بهِ أمُّ أيْمن ، فكتب أبو بكرٍ لها كتاباً ودفعه إليها .
ثم دخل عمر ، فرأى الكتاب بيد فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، فقال لأبي بكرٍ : ما هذا الكتاب ؟ .
فقال أبو بكر : إن فاطمة ادَّعت في فدك ، وشهدَتْ لها أمُّ أيمن وعلي ، فكتبتُ لها .
فأخذ عمر الكتاب من فاطمة ( عليها السلام ) فتفلَ فيه ، ومزَّقَه ، وقال : هذا فَيء للمسلمين ، فإن أقامت شهوداً أن رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) جعله لها ، وإلاَّ فلا حَقَّ لها فيه .
عجيب هذا الأمر !! وأكثر من عجيب ، خليفةٌ يأمر بأمْرٍ ، وأحد أصحابه يتْفِلُ بالكتابِ ويمزِّقُه بمرأىً وبِمَسمعٍ من الخليفة !! فهل هناك عَجَب أكثر من هذا ؟! .

مصحف فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

ما هو مصحف فاطمة ( عليها السلام ) :

كتاب فيه بعض الأسرار والأخبار الغيبية ، ويعتبر أوّل كتاب أُلّف في الإسلام ، فلم يكتب قبل هذا الكتاب ، وهو كتاب أملاه جبرائيل الأمين ( عليه السلام ) على سيّدتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من وراء حجاب ، وكتبه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بخطّه المبارك .
فقد مكثت ( عليها السلام ) بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوماً ـ أو أقلّ أو أكثر ـ وقد دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل ( عليه السلام ) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها .

ورثه الأئمة ( عليهم السلام ) :

يعتبر مصحف فاطمة ( عليها السلام ) من ضمن ميراث أهل البيت ( عليهم السلام ) العلمي ، ومن جملة ودائع الإمامة يتوارثونه ، فهو ينتقل من معصوم إلى آخر حتّى وصل بيد الإمام صاحب الزمان ( عليه السلام ) .
ولم يصل المصحف بيد شيعتهم ، ولم يطّلعوا عليه ، ولم يدّعي أحد من علماء الشيعة باطلاعه على المصحف ، أو يقول : المصحف عندي موجود ، وما يدّعيه أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنّ مصحف فاطمة ( عليها السلام ) في تناول الشيعة في العراق ، أو في الحجاز ، أو في إيران ، أو أي مكان آخر هو مجرد افتراء وكذب .

كتاب حوادث وليس قرآناً :

المصحف كتاب فيه أخبار ووقائع وحوادث ، أخبر بها جبرائيل ( عليه السلام ) فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بما يكون ، وأخبرها عن أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومكانه في الجنّة ، وأخبرها بما يجري على أولادها وذرّيتها ، من قتل وتشريد وظلم من الأمويين والعباسيين ، وكذلك بشّرها بدولة ابنها المهدي الموعود ( عليه السلام ) ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأخبرها بما يحلّ بالأُمم وما يملك من الملوك ، وكيف تنتهي هذه الدنيا .
فنحن لا نعتقد أنّ مصحف فاطمة ( عليها السلام ) فيه شيء من القرآن ، فالشيعة ليس لهم قرآن غير قرآن المسلمين ، ولا يعترفون بغيره .
إذن ، فمصحف فاطمة ( عليها السلام ) ليس فيه أحكام في الحلال والحرام ، وليس فيه شيء من القرآن ، ولا كتاباً منزلاً على الناس ، ولكن نستطيع أن نقول : أنّه كتاب تاريخي يتحدّث عن أُمور سوف تقع في المستقبل ، وهذا ما أشارت إليه روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، منها :
1ـ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( وكان جبرائيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، ويُطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانِه ، ويخُبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ) .
2ـ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء أُلقي عليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليهما )) .

فاطمة ( عليها السلام ) محدثة :

لقد دلّت النصوص على أنّ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت محدّثة ، أي يكلّمها الملك ( جبرائيل ) من وراء حجاب ، فالله قادر على إرسال الوحي ، مع من يشاء ، وحيث شاء ، وأنّى شاء ، لأنّ الوحي لا يقتصر على الأنبياء ، بدليل قوله تعالى :
( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ) فصلت : 12 .
( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ) المائدة : 111 .
( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ) الأنفال : 12 .
( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ) النحل : 68 .
( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) القصص : 7 .
فإنّ الله سبحانه بصريح الآيات أوحى إلى السماء ، وأوحى إلى الحواريين ، وإلى الملائكة ، وإلى النحل ، وإلى أُم موسى ، وبصريح الرواية أوحى إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وليس السماء أو الحواريين أو النحل أعظم من سيّدة نساء العالمين من الأوّليين والآخرين .
ولكن دأب الأعداء أن لا يركنوا للحقيقة والمنطق ، فقد اعتبروا هذا غلّواً ومبالغة ، لقد حدّثنا القرآن عن نماذج من النساء مثل مريم بنت عمران ، وأُمّ موسى ، وسارة امرأة إبراهيم التي بشرّها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فشاهدت الملائكة وحدّثتهم ، أو أوحي إليهن بأسلوب غير تحديث الملائكة ، ولم يستنكر ذلك أحد أو يستكثر ، ولكن عندما تذكر النصوص بأنّ فاطمة ( عليها السلام ) محدّثة ، يصبح غلّواً ومبالغة .
أليست فاطمة بنت اشرف بني آدم ، وكانت الملائكة تخدم أبيها ، واليوم جاءت تسلّيها ، إنّ نزول الملائكة على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ليس غلّواً ، فلماذا تستكثرون على بنت محمّد المصطفى ، والنصوص في كتب الصحاح كثيرة ومستفيضة في حقّ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، نذكر منها ونترك الباقي على من يريد الحقّ والحقيقة :
1ـ روى البخاري عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ) .
2ـ روى مسلم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال لها : ( يا فاطمة أمّا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأُمّة ) .
فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، ففاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أفضل من مريم بنت عمران ، ومن سارة زوج إبراهيم ( عليه السلام ) ، ودلّت النصوص على أنّها كانت محدّثة ولم تكن نبية .
وكذا تعتقد الشيعة الإمامية بالنسبة لأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فأنّهم محدّثون دون أن يدّعي أحد منهم لهم النبوّة ، إذ لا تلازم بين نزول الملائكة والنبوّة .
فبالنسبة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن كلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار عن المستقبل .
وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة :
عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : الست حدّثتني أنّ علياً كان محدّثاً ؟ قال : ( بلى ) ، قلت : من يحدّثه ؟ قال : ( ملك ) ، قلت : فأقول أنّه نبيّ أو رسول ؟ قال : ( لا ، بل مثله مثل صاحب سليمان ، ومثل صاحب موسى ، ومثل ذي القرنين ، أما بلغك أنّ علياً سئل عن ذي القرنين ، فقال : كان نبياً ؟ قال : لا ، بل كان عبداً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه ) .

روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) حول المصحف :

1ـ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل ( عليه السلام ) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي ( عليه السلام ) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة ( عليها السلام )) .
2ـ عن أبي حمزة أنّ أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء أُلقي إليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليه وآله )) .
3ـ عن عنسبة بن مصعب عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ومصحف فاطمة ، أما والله ما ازعم أنّه قرآن ) .
4ـ عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( إنّ الله تعالى لمّا قبض نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجل ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يكتب كلّما سمع ، حتّى اثبت من ذلك مصحفاً ) ، قال : ثمّ قال : ( أمّا أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون ) .
5ـ عن محمّد بن عبد الملك عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ... وعندنا مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، أما والله ما هو بالقرآن ) .
6ـ روي عن الوليد بن صبيح أنّه قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( يا وليد ، إنّي نظرت في مصحف فاطمة ( عليها السلام ) فلم أجد لبني فلان فيه إلاّ كغبار النعل ) .
7ـ عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم ( عليه السلام ) قال : ( عندي مصحف فاطمة ، ليس فيه شيء من القرآن ) .
8ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( ... وإنّ عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ( عليها السلام )) ؟
قال : قلت : وما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ؟ قال : ( مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ) .
9ـ عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال : ( يا فضيل ، أتدري في أيّ شيء كنت أنظر قبيل ) ؟ قال : قلت : لا ، قال ( عليه السلام ) : ( كنت أنظر في كتاب فاطمة ( عليها السلام ) ، ليس من ملك يملك الأرض إلاّ وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه ، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً ) .

كرامات فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

ورد عن الثعلبي في ( قصص الأنبياء ) ، والزمخشري في ( الكشاف ) في تفسير قوله تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً ) آل عمران : 37 .
في خبر طويل نقتطف منه ما يلي : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) : ( يَا بُنَيَّة هَلْ عندك شيء آكل ؟ فإني جائع ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( لا والله ، بأبي أنت وأمي ) .
فلما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عندها ، بَعَثَت إِليها جارةٌ لها بِرَغِيفَيْنِ ، وبضعة لحم .
فأخذَتْهُ ( عليها السلام ) منها ، ووضعته في جفنة ، وغطت عليه ، وقالت : ( لأُوثِرَنَّ بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على نفسي ، ومن عندي ) وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبْعَة من طعام .
فبعثت حَسَناً وحسيناً إلى جَدِّهِما ( صلى الله عليه وآله ) ، فرجع ( صلى الله عليه وآله ) إليها ، فقالت ( عليها السلام ) : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، قد أتانا الله بشيء فخبأتُه لك ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( فَهَلُمِّي به ) فَأْتِي به ، فكشفت ( عليها السلام ) عن الجفنة ، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً .
فلما نظرَتْ ( عليها السلام ) إليه بهتَت ، وعرفت أنها بركة من الله تعالى ، فحمدت الله تعالى ، وصلّت على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أين لك هذا يا بُنَيَّة ؟ ) .
قالت ( عليها السلام ) : ( هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الحمد لله ، جعلك شبيهة بسيِّدة نساء بني إسرائيل ، فإنها كانت إذا رَزَقها الله رزقاً حسناً ، فسُئلت عنه ، قالت : هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
فبعث الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي ( عليه السلام ) ، فَأتَى .
فأكل الرسول وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، وجميع أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى شبعوا ، وبقيت الجفنة كما هي .
فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ( وأوسعت منها على جميع جيراني ، وجعل الله فيها بركة ، وخيراً طويلاً ) .
وكان أصل الجفنة رغيفين ، وبضعة لحم ، والباقي بركة من الله تعالى .
وعن الحسن البصري ، وابن إسحاق ، عن ميمونة قالت : وَجدتُ فاطمة ( عليها السلام ) نائمة ، والرَحى تدور ، فأخبرتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فقال : ( إن اللهَ عَلِمَ ضَعفَ أَمَتِهِ ، فَأوحى إِلى الرَّحى أَن تدورَ ، فَدَارَتْ ) .
ورهنت ـ مرَّةً ـ فاطمة ( عليها السلام ) كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة ، واستقرضت الشعير ، فلما دخل زيد داره ، قال : ما هذه الأنوار في دارنا ؟! قالت : لِكِسوَةِ فاطمة ( عليها السلام ) .
فأسلَمَ في الحال ، وأسلَمَت امرأتُه وجيرانُه ، حتى أسلم ثمانون نفساً .
وعن علي بن معمر ، قال : خرجَتْ أمُّ أَيمَن إلى مكة ، بعد وفاة فاطمة ( عليها السلام ) ، وقالت : لا أرى المدينة بعدها .
فأصابها عطش شديد في الجحفة ، حتى خافت على نفسها ، فكسرت عَينَيها نحو السماء ، ثم قالت : يَا ربِّ ، أَتَعَطِّشَنِي ، وأنا خَادمة بنت نبيك ( صلى الله عليه وآله ) .
قال : فنزل إليها دَلوٌ من ماء الجنَّة ، فَشَرِبَتْ ، ولم تَجُعْ ، وَلَمْ تَعطَشْ سَبع سِنين .
وما ذكرناه شيء يسير من كرامات فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

قول الإمام علي ( عليه السلام ) بعد دفن فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : لمّا قبضت فاطمة ( عليها السلام ) دفنها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سرّاً ، وعفى على موضع قبرها ، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثمّ قال :
( السلام عليك يا رسول الله عنّي ، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي ، إلاّ أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين نحري وصدري .
بلى ، وفي كتاب الله لي أنعم القبول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قد استرجعت الوديعة ، وأُخذت الرهينة ، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء .

يا رسول الله ، أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، وهمّ لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد مقيّح ، وهمّ مهيّج ، سرعان ما فرّق بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبّئك ابنتك بتظافر أُمّتك على هضمها ، فاحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها ، لم تجد إلى بثّه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين .

والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين ، واهاً واهاً ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية .

فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ، وتهضم حقّها ، ويمنع إرثها ، ولم يتباعد العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء ، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان ) .

فيوضات فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

لم تكتفِ الزهراء فاطمة ( عليها السلام ) بما هيّأ لها بيت الوحي من معارف وعلوم ، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية التي كانت تُهَيِّئُّها لها شموس العلم والمعرفة المحيطة بها من كلِّ جانب .
فقد كانت تحاول في لقاءاتها مع أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبَعْلها ( عليه السلام ) باب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن تكتسبَ من العلوم ما استطاعت .
وإنَّ هذا الجهد المتواصل لها في طلب العلم ونشره ، قد جعلها من كُبرَيات رواة الحديث ، ومن حَمَلَة السُنَّة المطهرة .
حتى أصبحَ كتابها الكبير الذي كانت تعتزُّ به أشدَّ الاعتزاز يُعرف باسم ( مصحَفْ فاطمة ) ، وانتقل إلى أبنائها الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) يتوارثونه كابراً عن كابر .
ويكفيك دليلاً على ذلك وعلى سُمُوِّهَا فكراً ، وكمالها علماً ، ما جادت به قريحتها من خطبتين ألقتهما ( عليها السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إحداهما بحضور كبار الصحابة في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، والأخرى في بيتها على نساء المهاجرين والأنصار .
وقد تَضَمَّنَتَا صُوَراً رائعةً من عُمقِ فكرها وأصالته ، واتِّسَاع ثقافتها ، وقُوَّة منطقها ، وصِدق نبوءاتها ، فيما ستنتهي إليه الأمَّة بعد انحراف القيادة .
هذا فضلاً عن رِفعة أدبها ، وعظيم جهادها في ذات الله ، وفي سبيل الحقِّ تعالى .
لقد كانت الزهراء ( عليها السلام ) من أهل بيت اتَّقُوا الله ، وعلَّمَهم الله - كما صَرَّح بذلك الذكر الحكيم - ، وهكذا فطمها الله بالعلم فَسُمِّيَت بـ( فَاطِمَة ) ، وانقطعت عن النظِير فَسمِّيت بـ( البَتُول ) .
وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من أقوالها وأحاديثها وأدعيتها المباركة ( عليها السلام ) :

الأول :

قالت ( عليها السلام ) : ( واحمُدُوا الذي لعظمته ونوره يبتغي مَن في السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلتُهُ في خَلْقه ، ونحن خاصَّته ، ومحلُّ قُدسِه ، ونحن حُجَّتُه في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه ) .

الثاني :

رغَّبَت ( عليها السلام ) في حُسن النيَّة ، فقالت : ( مَن أصعد إلى الله خالصَ عبادته ، أهبط اللهُ إليه أفضلَ مصلحته ) .

الثالث :

أجابت ( عليها السلام ) امرأةً جاءتها بسؤال زَوجِها في هل أنَّه مِن شيعتهم ، أم لا ؟
فقالت ( عليها السلام ) لها : ( قُولِي لَه : إِنْ كنتَ تعملُ بما أمَرْناك ، وتنتهي عمَّا زجرناك عنه ، فأنتَ مِن شيعتنا ، وإلاَّ فلا ) .

الرابع :

في مكارم الأخلاق قالت ( عليها السلام ) : ( البِشْر في وَجه المؤمن يُوجِب لِصَاحِبِه الجنَّة ) .

الخامس :

نَبَّهت ( عليها السلام ) إلى المقام الأسمى فقالت : ( أبَوا هذه الأُمَّة مُحَمَّدٌ وعَليٌّ ، يُقيمانِ أودَهم ، ويُنقذانِهم مِن العذاب الدائم إن أطاعوهما ، ويُبيحانِهمُ النعيمَ الدائمَ إن وافقوهما ) .

السادس :

روت ( عليها السلام ) عن أبيها المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، قالت : ( إنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعوِّذُ الحسن والحسين ، ويُعلِّمُهما هؤلاءِ الكلمات ، كما يعلِّمهما السورة من القرآن ، يقول : أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّة ، مِن شرِّ كلِّ شيطانٍ وهامَّة ، ومِن كلِّ عينٍ لامَّة ) .

السابع :

تساءلت ( عليها السلام ) مُتعجِّبة : ( ما يصنعُ الصائم بصيامٍ إذا لم يَصُنْ لسانَهُ ، وسمعَهُ ، وبَصَرَهُ ، وجَوَارِحَهُ ؟! ) .

الثامن :

كان من أدعيتها ( عليها السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، يا حيُّ يا قَيُّوم ، برحمتِك أستغيثُ فأغِثْني ، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفةَ عينٍ أبداً ، وأصلِحْ لي شأني كلَّه .
اللَّهُمَّ قَنِّعْني بما رزقتَني ، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني ، واغفر لي وارحمني .
اللَّهُمَّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي ، وما قدَّرتَه عليّ فاجعلْه مُيَسَّراً سهلاً .
اللَّهُمَّ كافِ عَنِّي والدَيَّ ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيَّ خيرَ مكافأة .
اللَّهُمَّ فرِّغْني لِما خلقتَني له ، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به ، ولا تُعذِّبْني وأنا أستغفرك ، ولا تَحرِْمني وأنا أسألك .
اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نفسي في نفسي ، وعظِّمْ شأنك في نفسي ، وألهِمْني طاعتَك ، والعملَ بما يرضيك ، والتجنُّب لما يُسخطك ، يا أرحم الراحمين ) .

التاسع :

قالت ( عليها السلام ) في خطبتها بياناً للتوحيد : ( وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كلمةً جعل الإخلاصَ تأويلَها ، وضمَّن القلوب موصولها ، وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيتُه ، ومِن الألسن صفتُه ، ومن الأوهام كيفيَّته .
ابتدع الأشياء لا مِن شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاءِ أمثلةٍ امتثلها ، كَوَّنها بقدرته ، وذرأها بمشيَّته ، مِن غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ، ولا فائدةٍ له في تصويرها ، إلاَّ تثبيتاً لِحِكمته ، وتنبيهاً على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، وتَعَبُّداً لبريَّته ، وإعزازاً لدعوته .
ثمَّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده من نقمته ، وحياشةً لهم إلى جنَّتِه ) .

العاشر :

قالت ( عليها السلام ) في بعثة أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ابتعثه اللهُ إتماماً لأمره ، وعزيمةً على إمضاء حُكْمه ، وإنقاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فِرَقاً في أديانها ، عُكَّفاً على نيرانها ، عابدةً لأوثانها ، مُنكِرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي مُحمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) ظُلَمَها ، وكشف عن القلوب بهمَها ، وَجَلَى عن الأبصار غممَها .
وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبَصَّرَهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الصراط المستقيم ) .

الحادي عشر :

وكان من بيانها ( عليها السلام ) لِعِلَلِ الشرائع والأحكام أن قالت : ( فجعَلَ اللهُ الإيمانَ تطهيراً لكم من الشِّرك ، والصلاةَ تنزيهاً لكم عن الكِبْر ، والزكاةَ تزكيةً للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص ، والحَجَّ تشييداً للدِّين ، والعدلَ تنسيقاً للقلوب ، وطاعتَنا نظاماً للمِلَّة ، وإمامتَنا أماناً مِن الفُرقة ، والجهادَ عِزّاً للإسلام ، والصبرَ معونةً على استيجاب الأجر ، والأمرَ بالمعروفِ مصلحةً للعامَّة ، وبِرَّ الوالدينِ وقايةً من السَّخَط ، وصلةَ الأرحام مَنْماةً للعَدَد ، والقِصاصَ حِصناً للدماء ، والوفاءَ بالنَّذْر تعريضاً للمغفرة ، وتوفيةَ المكاييلِ والموازينِ تغييراً للبَخْس ، والنهيَ عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرِّجس ، واجتنابَ القَذْف حجاباً عن اللَّعنة ، وترك السرقة إيجاباً للعِفَّة ) .

فضل تسبيح فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

وي أن فاطمة ( عليها السلام ) طلبت من أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خادمة تخدمها .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أوَلا أدلُّكِ على خير من ذلك ؟ ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( بلى يا رسول الله ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( تُسَبِّحِينَ الله تعالى ثلاثاً وثلاثين ، وتُحَمِّدينَه ثلاثاً وثلاثين ، وَتُكَبِّرينَهُ أربَعاً وثلاثين ) .
وروى العلامة المجلسي في البحار زيادة على ذلك : ( فَذلكَ مِائَة باللِّسان ، وألفُ حسنة في الميزان ، يا فاطمة ، إِنَّكِ إن قلتِها كل يوم كفاك الله ما أهمَّك من أمرِ الدنيا والآخرة ) .

ما ورد عن الإمامين الصادق والباقر ( عليهما السلام ) :

أولاً : عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال في قوله تعالى : ( وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ ) ـ الأحزاب : 35 ـ : ( مَن باتَ على تسبيحِ فاطمة ( عليها السلام ) كَان مِن الذَّاكرين كثيراً والذَّاكِرات ) .
ثانياً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( تَسبيحُ فاطمة ( عليها السلام ) كل يومٍ في دُبرِ كل صلاة أَحَبُّ إليَّ من صلاة ألف رُكعةٍ في كل يوم ) .
ثالثاً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( مَن سَبَّح اللهَ في دُبرِ كل فَريضة قبل أن يُثنِي رِجلَيه تسبيح فاطمة ( عليها السلام ) المائة ، وأتبَعَها بـ( ِلا إِلَه إِلاَّ الله ) مَرَّةً واحدة ، غُفِرَ لَهُ ) .
رابعاً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( مَن سَبَّحَ تسبيح فاطمة ( عليها السلام ) في دُبرِ المكتوبة قبل أن يبسِطَ رِجلَيه ، أوجب الله لَهُ الجَنَّة ) .
خامساً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( مَن سَبَّحَ تسبيح فاطمة ( عليها السلام ) قبل أن يثنِي رِجلَيه من صلاة الفريضة ، غَفَر الله له ، ويبدأُ بالتكبير ) .
سادساً : وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : ( مَن سَبَّحَ تسبيح الزهراء ( عليها السلام ) ثُمَّ استغفرَ ، غُفِرَ لَهُ ، وهي مِائَة باللِّسان ، وألفٌ في الميزان ، وَتطردُ الشيطان ، وتُرضِي الرَّحمن ) .
سابعاً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( مَا عُبِدَ الله بِشيء مِن التَمْجِيد أَفضَل مِن تَسبِيحِ فَاطمَة ( عليها السلام )) .
ثامناً : وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( إن رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لفاطمة ( عليها السلام ) :
يَا فاطمةَ ، إذا أخذتِ مَضجعَكِ من اللَّيل فَسَبِّحي الله ثلاثاً وثلاثين ، واحمديهِ ثلاثاً وثلاثينَ ، وكَبِّريهِ أربعاً وثلاثين ، فَذلِكَ مِائَة هي أثقل في الميزانِ مِن جَبَلِ أُحُد ذَهَباً ) .

فصاحة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وبلاغتها

قالت عائشة : ما رأيت أحد من خَلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ( عليها السلام ) .
ومن يعرف مواضع الجودة في الكلام ، ويلتمس بدائع الصنعة فيه ، يرى أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) التي لم تبلغ من العُمر ـ ما به تستطيع أن تُغنِيها التجارب ، وتجري بين يديها الأمثال ـ ثمانية عشر عاماً قد امتطت ناصية الكلام ، وجاءت بالعَجَبِ العُجَاب ، وحيَّرت العقول والألباب ، بما احتُوِيَ منطقُها من حكمة ، وفصل الخطاب ، وهي المَثكُولة بأبيها خاتم الأنبياء ( صلى الله عليه وآله ) .
ولا عجب من ذلك ، فهم ( عليهم السلام ) أئمة الكلام ، وأمراء البيان ، ومن يتأمل خطبتها ( عليها السلام ) التي رَدَّدَتْها الأجيال ، وتناولها المُحققون والشراح ، يجد ما نرمي إليه جلياً واضحاً .
فقد قال العلامة الأربلي صاحب ( كشف الغُمَّة ) في خطبة الزهراء ( عليها السلام ) في محفل من المهاجرين والأنصار : إنها من مَحَاسن الخُطَب وبدايعها ، عليها مَسْحَةٌ من نور النُبُوَّة ، وفيها عبقة من أَرجِ الرسالة ، وقد أوردها المُوَالف والمُخَالف .

فدك عبر التاريخ

فَدَك : قرية بالحجاز ، بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة ، أفاءها الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) في سنة سبع من الهجرة صلحاً ، فهي مِمَّا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فيها عَينٌ فوَّارةَ ، ونخيل كثيرة ( معجم البلدان 4 / 238 ) .
بعد أن أصبحت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوحى الله تعالى لنبيه : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) الروم : 38 .
فجعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فَدَكاً طعمة لفاطمة ( عليها السلام ) بأمْرِ اللهِ هَذا .
وقد تتابعت عليها الأحداث الآتية :
1 - كانت بيد فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مِن سَنَة سَبع من الهجرة النبوية ، وخلال حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وحتى تولَّى أبو بكر الخلافة تُديرها بواسطة وَكيلٍ لها فيها ، توزِّع ثمارها وما تنتجه على فقراء المسلمين .
2 - لما تولَّى أبو بكر الخلافة ، سلبها من فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بِحُجَّة أنها فَيء المسلمين .
3 - وَهَبها معاوية إلى مَروان بن الحكم ، لِيُغِيظ بذلك آل الرسول ، ومعنى ذلك أنها لم تكن مجرد قطعة أرضٍ ، وإنَّما معناها أكثر قيمة وأهمِّية منها .
4 - وهبها مَروان إلى ابنه عبد العزيز ، فوَرَثها ابنه عمر منه ، ولمَّا ولي الأمر عمر بن عبد العزيز ردَّ فدكاً إلى أبناء فاطمة وعلي ( عليهما السلام ) .
5 - لما ولي يزيد بن عبد الملك قَبَضَها ، فلمْ تَزَل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفّاح الخلافة .
6 - دفعها أبو العباس السفاح إلى وُلْد علي مَرَّة ثانية ، إلى أن ولي الأمر المنصور .
7 - لمَّا خرج بنو الحسن على المنصور قَبَض فدكاً منهم ، فرجعت بيد بني العباس .
8 - لمَّا اسْتَوَى الأمر للمأمون رَدَّ فَدَكاً إلى أبناء فاطمة وعليٍّ ( عليهما السلام ) ، بعْدَ أن استوثق عنها من القُضَاة في دولته ، وكتب لهم بذلك كتاباً .
فقام دعبل الشاعر وأنشد :
أصْبَحَ وَجْهُ الزَّمَانِ قَدْ ضَحكَا بِرَدِّ مَأمُون هَاشِمٍ فَدَكَا
( معجم البلدان 4 / 238 ، الكشَّاف للزمخشري 2 / 661 ، تفسير فتح القدير للشوكاني 3 / 224 ) .

علم فاطمة الزهراء ( عليها السلام )

قال الإمام العسكري ( عليه السلام ) : ( حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقالت : إن لي والدة ضعيفة ، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء ، وقد بَعَثَتْني إليكِ أسألُكِ .
فأجابتها (عليها السلام ) عن ذلك ، فقالت : لا أشقُّ عليك يا ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
قالت فاطمة ( عليها السلام ) : ( هاتي وَسلي عمَّا بدا لك ، أرأيتِ من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل ، وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه ؟ ) .
فقالت : لا .
فقالت ( عليها السلام ) : ( اكتَرَيْتُ أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً ، أفأحرى أن لا يثقل عَلَيَّ ) .
كما رَوَتْ ( عليها السلام ) عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وروى عنها أمير المؤمنين والحسن والحسين ( عليهم السلام ) .
وكذلك روى عنها ( عليها السلام ) عائشة ، وأم سلمة ، وسلمى أم رافع ، وأنس ، وعبد الله بن عباس ، وأسماء بنت عُميس ، وزينب بنت أبي رافع ، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين ( عليهم السلام ) .
ومن الأحاديث التي روتها ( عليها السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما يلي :

أولاً :

( مَن كَان يُؤمِنُ بِالله واليومِ الآخر فَلا يُؤْذِ جَارَهُ ) .

ثانياً :

( لَيسَ مِنَ المُؤمِنِين مَنْ لَم يَأْمَنْ جَارُه بَوائِقَه ) .

ثالثاً :

( مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليومِ الآَخِر فَلْيُكرِم ضَيفَهُ ) .

رابعاً :

( مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيراً أَو لِيَسكُت ) .

خامساً :

( إنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ ، والإيمَانُ في الجَنَّة ، وإنَّ الفُحشَ مِن البَذَاءِ ، والبَذَاءُ في النَّار ) .

سادساً :

( اللهُ يُحِبُّ الحَيِيَّ الحَلِيمَ ، الضعيفَ المُتَعَفِّف ، ويبغُضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ ، السَّائِلَ المُلحِفَ ) .
وجاءت – مَرَّةً – امرأةٌ من نساء المسلمين تسأل فاطمة (عليها السلام ) مسائل علمية ، فأجابتها فاطمة ( عليها السلام ) عن سؤالها الأول .
وظَلَّت المرأة تسألها حتى بلغت أسئلتها العشرة ، ثم خجلت من الكثرة ، فقالت : لا أَشُقُّ عليك يا ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : ( هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بدا لكِ ، إني سمعت أبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إنَّ عُلمَاء أُمَّتِنَا يُحشرون ، فيُخلع عَليهِم مِن الكرامات عَلى قَدَر كَثرةِ علومِهِم ، وَجِدِّهِم في إِرشَادِ عِبَادِ اللهِ ) .
ولم يَقتصر علمُها ( عليها السلام ) على النساء ، بل كان الرجال أيضاً يقصدونها بقصد الاستفادة .

عفاف فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وحجابها

سَأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه عن المرأة : ( متى تكون أدنى من رَبِّها ؟ ) فلم يدروا .
فلما سمعت فاطمة ( عليها السلام ) ذلك ، قالت : ( أدنى ما تكون من رَبِّها تلزم قعر بيتها ) .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن فاطمة بضعة منّي ) .
وحين سُئلت ( عليها السلام ) : أي شيء خير للنساء ؟ أجابت : ( وَخَير لَهُنَّ أن لا يَرَيْنَ الرجالَ ، وَلا يَرَاهُنَّ الرجالُ ) .
وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( استأذن أعمى على فاطمة ( عليها السلام ) فَحَجَبَتْهُ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها : لِمَ حَجَبْتِيه وهو لايراك ؟ فقالت ( عليها السلام ) : إن لم يكن يراني فإني أراه ، وهو يشم الريح ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أشهد أنك بضعة منّي ) .

عبادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وزهدها

روى الإمام الصادق ( عليه السلام ) بسنده إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، أنه قال : ( رأيت أمّي فاطمة ( عليها السلام ) قامت في محرابها ليلةَ جمعةٍ ، فلم تزل راكعة وساجدة حتى انفجر عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسَمِّيهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعوا لنفسها بشيء ، فقلت لها : يا أُمَّاه ، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( يا بُنَي ، الجار ثم الدار ) .
وعن الحسن البصري : ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة ( عليها السلام ) ، كانت تقوم حتى تورَّم قدماها .
أما زهدها ، فإن الأبرار الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه ، فهم الذين قد عرفوا الدنيا وما فيها من نعيم زائل ، فأعرضوا عنها بقلوبهم ، والتمسوا رضوان الله تعالى في مأكلهم ، ومَلبَسِهِم ، وأسلوب حياتهم .
فامرأة مثل الزهراء (عليها السلام ) ، وجلالة قدرها ، وعِظَم منزلتها ، كانت شَمِلَتها التي تلتف بها خَلِقه ، قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل .
فنظر إليها سلمان يوماً فبكى ، وقال : واحُزناه ، إن بنات قيصر وكسرى لفي السندس والحرير ، وابنة محمد ( صلى الله عليه وآله ) عليها شملة صوف خلقه ، قد خيطت في اثني عشر مكاناً .
وجاء في تفسير الثعلبي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وتفسير القشيري ، عن جابر الأنصاري قال : رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ، وعليها كساء من أَجِلَّة الإبل ، وهي تطحن بيديها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : ( يا بِنتَاه ، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ؟ ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه ) .
فأنزل الله تعالى : ( وَلَسَوْفَ يُعطِيكَ رَبُّكَ فَتَرضَى ) الضحى : 5 .
وقال ابن شاهين في مناقب فاطمة ( عليها السلام ) ، وأحمد في مسند الأنصار عن أبي هُرَيرَة وثوبان ، أنهما قالا : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يبدأ في سَفَره بفاطمة ( عليها السلام ) ، ويختم بها ، فَجَعَلَت ( عليها السلام ) وقتاً ـ أي : مَرَّة ـ ستراً من كساء خَيبَرِيَّة ، لِقدوم أبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، وزوجها ( عليه السلام ) .
فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) تجاوز عنها ، وقد عُرِف الغضب في وجهه حتى جلس على المنبر .
فنزعت ( عليها السلام ) قلادتها وقرْطَيْهَا ومسكَتَيْهَا ، ونزعت الستر ، فبعثت به إلى أبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، وقالت : ( اِجعل هذا في سبيل الله ) .
فلمّا أتاه ، قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قد فَعَلَت فِداها أَبُوها - ثلاث مرات - ما لآل محمد وللدنيا ، فإنهم خُلِقوا للآخرة ، وخلقت الدنيا لهم ) .
وفي رواية أحمد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( فإنَّ هؤلاء أهلُ بيتي ، ولا أحب أن يأكلوا طَيِّبَاتِهم في حياتهم الدنيا ) .
وَلَعلَّ في قصة العقد المبارك – الذي قَدَّمَتْهُ الزهراء ( عليها السلام ) إلى الفقير الذي جاء إلى أبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، فأرشده النبي إلى دار فاطمة ( عليها السلام ) – خَيرُ شَاهدٍ على زهدها ( عليها السلام ) ، فإن في ذلك أروع الأمثلة في الإحسان ، والإيثار والمواساة .

صمود فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمام الفتن

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَن رَأى مِنكُم مُنكراً فليغيِّرُه بيده ، فإن لم يستطع فَبِلِسَانِه ، فإن لم يستطع فَبِقَلبِه ، وذلك أضعف الإيمان ) .
لقد وضعت الأحداث التي عاشها المسلمون بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الزهراء ( عليها السلام ) في الصدارة ، وهي أول ثائرة في الإسلام .
فقامت ( عليها السلام ) بالدور المطلوب الذي لم يتسنَّ لأحد القيام به ، بسبب عُنفِ تِلك الفترة .
فقامت ( عليها السلام ) بالدور النبوي العظيم ، بمشاركتها أبيها ( صلى الله عليه وآله ) في الإبلاغ ، والإنذار .
فأبلغت ( عليها السلام ) في الحجة ، وحَذَّرت من الفتنة ، وأشارت إلى الانحراف ، وَهَدَتْ إلى سواء الصراط ، فانظر إليها ( عليها السلام ) وهي تُذَكِّرهم ، وتحملهم المسؤولية إزاء الأحداث : فقالت ( عليها السلام ) : ( أنتم عِبادُ اللهِ نصب أمره ونهيه ، وحَمَلةُ دينِه وَوَحيِه ، وأمناءُ الله على أنفسكم ، وبلغاؤُه إلى الأمم ، زعيم حق فيكم وعهد قدمه إِليكُم كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ) .
إلى أن قالت ( عليها السلام ) : ( فلما اختار الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) دار أنبيائه ، ظهرَت فِيكُم حسيكة النفاق ، وَسملَ جِلبَابِ الدِّين ، ونَطَق كاظم الغَاوِين ، وأطلع الشَّيطَانُ رأسَه من مغرزِه هاتفاً بكم ، فَأَلفَاكم لدعوتِهِ مُستجِيبين ، ثُمَّ استَنهَضَكُم ، فَوجَدكُم خفافاً ، فَوَسَّمتُم غير إِبلِكُم .
هذا والعهدُ قريب ، والكَلِم رحيبْ ، والجَرحُ لَمَّا يَندَمِل ، والرَّسول لَمَّا يُقبَر ، ابتداراً زعمتُم خوفَ الفِتنَة ، ألاَ فِي الفِتنَة سَقَطُوا ، وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَةٌ بالكَافِرينَ .
فَكيفَ بِكُم ، وأَنَّى تُؤفَكُون ؟ ، وكتابُ الله بين أظهركم ، وقد خَلفْتُمُوه وَرَاء ظُهُورِكُم ، أَرَغبَةً عنه تريدون ؟ ، أَم بِغَيرِه تَحكُمُون ؟ ، بئس للظالمين بدلاً ، وَمن يتَّبِع غير الإسلام ديناً فَلن يُقبَلَ منه ، وَهو في الآخرة مِنَ الخَاسِرِين ) .
وفي موقف آخر لها ( عليها السلام ) مع نساء المهاجرين والأنصار لما عُدْنَها في مرضها ، وانظر إليها ( عليها السلام ) كيف تَعبُر القرون والأجيال لِتُعطِيكَ نتائج الانحراف قبل وقوعها : قالت ( عليها السلام ) : ( أَمَا لَعَمري ، لَقد لُقِّحَتْ ، فنظرة ريثما تُنتِجُ ، ثم احتَقبُوا مِلءَ القعب دماً عَبيطاً ، وأبشروا بسيفٍ صارمٍ ، وسطوَةِ مُعْتَدٍ غاشم ، واستبداداً مِن الظالمين ، يَدَعُ فَيئَكُم زَهِيداً ، وَجمعَكُم حَصيداً ) .
فكأنها ( عليها السلام ) تنظرُ بِعينِ الغيب .
وانظر إلى أحوال المسلمين اليوم وقبل اليوم ، وبعد ذلك الانحراف الأول حيث صارت الإمامة هذا المنصب الإلهي المقدس مُلكاً عَضُوضاً ، يتوارثه الفُسَّاقُ والفُجَّارُ ، أَمَوِيُّون وعَبَّاسِيُّون ، وإلى يومك هذا ، وَما حَلَّ بالمجتمع الإسلامي مِن الوَهن والضعفِ كان نتيجة ذلك الانحرافِ الأَول .
ومن مظاهر دورها السياسي ( عليها السلام ) منزلُها الذي كان مَقَرّاً للمؤمنين الصادقين ، الثابتين على عهد الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) من الذين عارضوا بيعة السقيفة .
قال ابن قُتَيبة الدينوري : وإن أبا بكر تَفَقَّد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي ، فبعث إليهم عُمَر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فَأَبَوا أن يخرجوا ، فَدعا بالحَطَب وقال : والذي نَفس عُمَر بيده ، لَتَخرُجَنَّ أو لأُحرِقَنَّها على من فيها .
فقيل له : يا أبا حفص ، إن فيها فاطمة ( عليها السلام ) !!
فقال : وَإِنْ .
وفي مكان آخر في الإمامة و السياسة ، قال الدينوري : ثمَّ قَام عُمَر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فَدَقُّوا الباب ، فلما سمِعَت أصواتَهُم نادت ( عليها السلام ) بأعلى صوتها : يا أبتِ ، يا رسول الله ، ماذا لَقِينَا بَعدَك مِنِ ابنِ الخَطَّابْ وابن أبي قحافة ؟!!.
فلما سَمعَ القومُ صوتَها وبكاءها ( عليها السلام ) انصرفوا باكين ، وكادت قُلوبهم تَتَصَدَّعُ ، وأكبادهم تَتَفَطَّر .
وبقي عُمَر ومعه قومٌ ، فأخرجوا علياً ، فَمَضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بَايِع .
فقال ( عليه السلام ) : ( إن لم أفعل فَمَه ؟ ) .
قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضربُ عُنُقَكَ .
فَقال ( عليه السلام ) : ( إِذاً تقتلون عَبداً لله وأخاً لرسوله ) .
قال عُمَر : أَمَّا عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا .
وأبو بكر ساكت لا يتكلم .
فقال له عُمَر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟
فقال أبو بكر : لا أُكرِهه علي شيء ما كانت فاطمة إلى جَنبِه .
فَلَحِقَ علي ( عليه السلام ) بِقَبرِ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصيح ، ويبكي ، وينادي : ( يَا ابنَ أُمِّ ، إنَّ القومَ استضعَفُونِي ، وَكَادُوا يَقتُلُونَنِي ) .
كما أنها طالبت بحقها في فَدَك وَخَيبَر ، وأقامت على ذلك الأدلة والبراهين ، لكن رُدَّت دعواها ، وهي التي طَهَّرهَا اللهُ تعالى مِن الرجس تَطهيراً .
وأقامت ( عليها السلام ) الحجة والدليل على أهلية وكفاءة أهل البيت ( عليهم السلام ) في إدارة شؤون الأمّة .
فقالت ( عليها السلام ) لنساء المهاجرين والأنصار : ( استَبدَلُوا والله الذنَابَى بالقَوادِم ، وَالعَجزَ بالكَاهِل ، فَرَغْماً لِمَعاطس قَومٍ يحسبون أنهم يُحسِنُون صُنعاً ، ( أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشعُرُونَ ) البقرة : 12 .
وَيحَهُم ، ( أفَمَن يَهدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيفَ تَحكُمُونَ ) ) يونس : 35 .
وفي مقام آخر قالت ( عليها السلام ) : ( نحنُ وسيلتُهُ في خَلقِه ، ونحنُ خَاصَّتُه ومحلُّ قُدسِه ، ونحنُ حُجَّتُه في غيبتِه ، ونحنُ وَرَثَةُ أَنبِيَائِه .
وقد رفضَتْ ( عليها السلام ) المُصَالحة مع أبي بكر وعُمَر .
فقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : والصحِيح عندي أنها ( عليه السلام ) مَاتَتْ وهي وَاجِدَة على أبي بكرٍ وَعُمَر ، وأنَّها أوصت ألا يُصَلِّيَا عَليها .
وقد سعى الشيخان مِراراً أن يستأذِنَا على فاطمة ( عليها السلام ) فَلم تأذن لهما ، فَأتيا عَلياً ( عليه السلام ) فَكَلَّمَاهُ ، فأدخلهما عليها .
فلما قعدا عندها حَوَّلَت ( عليها السلام ) وجهَهَا إلى جهة الحائط ، فَسَلَّمَا عليها ، فَلَم تَرُدَّ عليهما السلام ، ثم قالت : ( نَشَدْتُكُمَا الله ، أَلَم تسمعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : رِضَا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبَّ فاطمة ابنَتِي أَحَبَّنِي ، ومن أرضَى فاطمة فقد أرضَاني ، ومن أسخَطَ فاطمة فقد أسخَطني ؟ ) .
قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( فإني أُشهِدُ اللهَ وملائِكتَهُ أنَّكُما أسخَطْتُمَانِي ، وَمَا أرْضَيتُمانِي ، وَلَئِنْ لَقيتُ النَّبي ( صلى الله عليه وآله ) لأَشْكُوَنَّكُمَا إليه ) .

شهادة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)(1)

اسمها ونسبها(عليها السلام)

السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله) بن عبد الله بن عبد المطلّب.

كنيتها(عليها السلام)

أُمّ الحسن، أُمّ الحسنين، أُمّ الريحانتين، أُمّ الأئمّة، أُمّ أَبيها... والأُولى أشهرها.

ألقابها(عليها السلام)

الزهراء، البتول، الصدّيقة، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدّثة... وأشهرها الزهراء.

تاريخ ولادتها(عليها السلام) ومكانها

20 جمادى الثانية في السنة الخامسة للبعثة النبوية، مكّة المكرّمة.

أُمّها(عليها السلام) وزوجها

أُمّها السيّدة خديجة بنت خويلد(رضي الله عنها)، وزوجها الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

مدّة عمرها(عليها السلام)

18 سنة.

فضائلها(عليها السلام)

للسيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) فضائل كثيرة، فكانت من أهل العباء والمباهلة والمهاجرة في أصعب وقت، وكانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير وافتخر جبرائيل بكونه منهم، وشهد الله لهم بالصدق، ولها أُمومة الأئمّة(عليهم السلام)، وعقب الرسول‏(صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين .
وكانت أشبه الناس كلاماً وحديثاً برسول الله(صلى الله عليه وآله)، تحكي شيمتها شيمته، وما تخرم مشيتها مشيته.
وقال(صلى الله عليه وآله) في فضلها: «فاطمة بضعة منّي، مَنْ سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني»(2).

تاريخ شهادتها(عليها السلام) ومكانها

3 جمادى الثانية 11ﻫ، وقيل: 13 جمادى الأُولى، وقيل: 8 ربيع الثاني، المدينة المنوّرة.

وصيّتها(عليها السلام)

قد أوصت الإمام علي(عليه السلام) بعدّة وصايا، ومضمون الوصية: أن يواري(عليه السلام) جثمانها(عليها السلام) المقدّس في غلس الليل البهيم، وأن لا يشيِّعها أحد من الذين هضموها؛ لأنّهم أَعداؤها(عليها السلام) وأعداء أبيها(صلى الله عليه وآله) على حدِّ تعبيرها.
كما عهدت إليه أن يتزوّج من بعدها بابنة أُختها أمامة؛ لأنّها تقوم برعاية ولديها الحسن والحسين(عليهما السلام) اللذين هما أعزّ عندها من الحياة.
وعهدت إليه أن يعفي موضع قبرها؛ ليكون رمزاً لغضبها غير قابل للتأويل على مرّ الأجيال القادمة.

يوم شهادتها(عليها السلام)

عمدت(عليها السلام) إلى ولديها الحسن والحسين(عليهما السلام) فغسلتهما، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما، وهي تلقي عليهما نظرة الوداع، وقلبها يذوب من اللوعة والوجد.
ثمّ التفتت(عليها السلام) إلى أسماء بنت عُميس وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها، فقالت(عليها السلام): «اسكبي لي غسلاً».
فانبرت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت(عليها السلام) فيه، وقالت(عليها السلام) لها ثانياً: «ائتيني بثيابي الجُدُد»، فناولتها أسماء ثيابها(عليها السلام).
ثمّ قالت(عليها السلام): «اجعلي فراشي وسط البيت»، وعندها ذعرت أسماء وارتعش قلبها، فقد عرفت أنّ الموت قد حلّ بالزهراء(عليها السلام).
فصنعت لها ما أرادت، فاضطجعت الزهراء(عليها السلام) على فراشها، واستقبلت القبلة، وأخذت تتلو آيات من الذكر الحكيم حتّى فارقت الروحُ الجسد.
ورجع الحسنان(عليهما السلام) إلى الدار فلم يجدا فيها أُمّهما(عليها السلام)، فبادرا يسألان أسماء عن أُمّهما، فقالت: إنّ أُمّكما قد ماتت، فأخبرا بذلك أباكما، وكان هذا الخبر كالصاعقة عليهما.
فهرعا(عليهما السلام) مسرعين إلى جثمانها، فوقع عليها الحسن(عليه السلام) وهو يقول: «يا أُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني».
وألقى الحسين(عليه السلام) نفسه عليها وهو يعجُّ بالبكاء قائلاً: «يا أُمّاه أنا ابنك الحسين، كلّميني قبل أن ينصدع قلبي».
وأخذت أسماء تعزّيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما(عليه السلام) فيخبراه، فانطلقا(عليهما السلام) إلى مسجد جدّهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهما غارقان في البكاء فأخبراه، فاضطرب الإمام(عليه السلام)، وطفق يقول: «بمن العزاء يا بنت محمّد، كنتُ بكِ أتعزّى، فَفيمَ العزاء من بعدك»؟

تجهيزها(عليها السلام)

وعند انتشار نبأ رحيلها(عليها السلام) تجمّع أهل المدينة المنوّرة على باب الإمام علي(عليه السلام) في انتظار تشييعها(عليها السلام)، فعهد الإمام(عليه السلام) إلى سلمان أن يقول للناس بأنّ مواراتها(عليها السلام) تأخّر هذه العشية، فتفرّق الناس.
ولمّا مضى من الليل شطره، قام الإمام(عليه السلام) فغسّل الجسد الطاهر ومعه السيّدة أسماء.
وقبل تكفينها دعا الإمام(عليه السلام) بالحسن والحسين لتوديع أمّهما، ليلقوا عليها النظرة الأخيرة، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها.
ثمّ صلّى(عليها السلام) على الجثمان الطاهر، ثمّ عهد إلى بني هاشم وخلّص أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير.
ولم يخبر(عليه السلام) أيّ أحد بذلك، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخلّص وأهل بيته(عليهم السلام).

دفنها(عليها السلام)

قام الإمام علي(عليه السلام) بدفنها، وبعد تفرّق المشيّعين وقف(عليه السلام) على القبر قائلاً: «السّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النّازِلَة في جوارك، السريعة اللحاق بك، قَلّ يا رسولَ الله عن صَفِيّتِك صَبرِي، وَرَقّ عنها تَجَلُّدِي، إلّا أنّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقد وَسّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ.
إِنّا لله وإنّا إليه راجعون، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ، وأُخِذَتْ الرّهينَة، أمّا حُزنِي فَسَرْمَدْ، وَأمّا لَيلِي فَمُسَهّدْ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمّتِكَ على هَضمِها، فَاحفِهَا السُّؤَالَ، واستَخبِرْهَا الحَالَ»(3).
ثمّ أنشد(عليه السلام):
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فِرقَةٌ ** وَكُلُّ الّذي دُونَ الفِرَاقِ قَليلُ
وَإِنّ افتِقَادِي فَاطماً بَعدَ أَحمَد ** دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ(4).

مكان دفنها(عليها السلام)

المدينة المنوّرة، ولم يُعلم حتّى الآن موضع قبرها(عليها السلام)؛ وذلك لما أوصته لأمير المؤمنين(عليه السلام) قبل وفاتها في أن يدفنها ليلاً ويخفي قبرها(عليها السلام).
ولأيّ الأُمور تُدفنُ ليلاً ** بضعةُ المصطفى ويُعفى‏ ثراها
فمضت وهي أعظم الناس شجواً ** في فم الدهر غُصّة من جواها
ـــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية: 51.
2ـ الأمالي للمفيد: 260.
3ـ نهج البلاغة 2/182.
4ـ الأمالي للصدوق: 580.

شهادات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام )

( إنَّ اللهَ لَيَغضب لِغَضَبِ فاطمة ويَرضَى لِرِضَاها ) .
( فَاطِمة بضعة مني ، مَن آذاها فَقَد آذاني ، ومن أحَبَّها فقد أحَبَّني ) .
( فاطمة قَلبي ، ورُوحي التي بين جَنبَيَّ ) .
( فاطِمَة سَيِّدة نساء العالمين ) .
هذه الشهادات ، وأمثالها تواترت في كتب الحديث والسيرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي لا يَنطُقُ عن الهوى ، ولا يتأثَّر بنسبٍ أو سَبَبٍ ، ولا تأخذه في الله لَومَةَ لائِمٍ .
إن أوسِمَة من خاتم الرُسُل على صدر فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، تزداد تألُّقاً كُلَّما مَرَّ الزمن ، وكلما تطوَّرَت المجتمعات ، وكلما لاحظنا المبدأ الأساس في الإسلام .
في كلامٍ قاله ( صلى الله عليه وآله ) لها ( عليها السلام ) : ( يَا فَاطِمة اِعملي لنفسك ، فإني لا أغني عنكِ مِن الله شيئاً ) .
فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، هذه مثال المرأة التي يريدها الله ، وقطعة من الإسلام المُجَسَّد في محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقدوة في حياتها للمرأة المسلمة ، وللإنسان المؤمن ، في كل زمان ومكان .
إن الزهراء ( عليها السلام ) هي القدوة ، والمثل الأعلى الذي نصبَهُ رَبُّ العِزَّة ليقتدي به المؤمنون عامَّة ، والمؤمنات خاصَّة .
وهذه الشخصيَّة الفريدة التي مَنَّ بها الباري على رسوله الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وسمَّاهَا ( الكوثر ) في قرآنه الكريم ، قد ارتَقَت في العظمة والعصمة .
وقد شاء الله أن يصير رضاها رضىً لله تعالى ، وغضبها غضباً لله تعالى ، ولا عجبَ حينئذٍ أن يكون قد حارب النبي ( صلى الله عليه وآله ) مَن حارَبَ الزهراء ( عليها السلام ) ، وسالَمَه من سالمها .
فالزهراء ( عليها السلام ) إذاً هي الميزان الذي يُوزَن به إيمان الناس ، ودرجة استقامتهم على طريق الهُدى والخير ، والإخلاص والخلوص .
وكذلك المعيار الذي يُعرَف به رضى الله تعالى ورسوله الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وغضبهما .
فكَونها بضعة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ـ يُرضيه ما يرضيها ويُغضبه ما يُغضبها ـ لا يعني كونها ( عليها السلام ) جزءاً من كيانه الجسدي والمادِّي ، من حيث بُنوَّتِها له .
لأنه ( صلى الله عليه وآله ) لا ينطلق في أقواله وأفعاله من موقف العصبيَّة للقرابة أو للعِرق .
ولأن الزهراء ( عليها السلام ) لو لم تكن على درجة عظيمة من الإيمان ، لما نَالَت ما نَالَت .
وذاك ابن نوح نفاه الله تعالى عن أبيه ، لمَّا فارقه في العمل ، فقال : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) هود : 42 .
ليست قليلة تلك الشعلة التي التهبت بها شخصية هذه المرأة العظيمة ( عليها السلام ) ، فإن تَكُن سيدة نساء العالمين فَمِن هذا المَعِينِ تَسْتَقي ، فهي ابنة نبي رَبَط حاضر الأجيال بماضيها ( عليها السلام ) ، ووصلها بكل زمان يأتي .
فبهذه الهالة القدسية اتَّشحت شخصيتها ( عليها السلام ) ، آخِذَة عن أبيها عبء مسؤولية الأجيال .
وتزوَّجت ( عليها السلام ) رجلاً ، كان زواجها منه ( عليه السلام ) تحقيقاً للمُخَطَّط العظيم ، وتنزيلاً لقُدْسِيَّة الكلمة .
وكان زواجها استكمالاً لِمَتَانة ما أُنِيطَ بها ، وما كان الحسن والحسين ( عليهما السلام ) غير نتاج هذا الرباط الذي اكتملت به المشيئة .
هكذا ارتبط التاريخ برباط ، وهكذا اتَّشحت فاطمة ( عليها السلام ) بقدسية هذا الرباط ، هالة اتَّشحت بها سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) إزاراً من نبوة ، وإزاراً من إمامة ، وإزاراً من أُمُومة .