الخميس، 19 يناير 2012

فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) هي الكوثر

يقول المفسرون في سبب نزول سورة الكوثر :
أن أحد أقطاب المشركين ، وهو العاص بن وائل ، التقى يوماً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند باب المسجد الحرام ، فتحدّث مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذلك بمرأى من جماعة من صناديد قريش ، وهم جلوس في المسجد الحرام ، فما أن أتمَّ حديثه مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وفارقه ، جاء إلى أولئك الجالسين ، فقالوا له : من كنت تُحَدِّث ؟
قال : ذلك الأبتر ، وكان مقصوده من هذا الكلام أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليس له أولاد وعقب ، إذن سينقطع نسلُه ، فكان هذا سبباً لنزول سورة الكوثر وهي : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) سورة الكوثر .
رَدّاً على العاص الذي زعم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبتر .
أما المعنى ، فهو أن الله سوف يُعطيك نسلاً في غاية الكثرة ، لا ينقطع إلى يوم القيامة .
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره : الكوثر أولاده ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن هذه السورة إنما نزلت رَدّاً على مَن عَابَهُ ( صلى الله عليه وآله ) بعدم الأولاد .
فالمعنى أنَّه سيعطيه نسلاً يبقون على مَرِّ الزمان ، فانظر كم قُتل من ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لكن العالم ممتلئٌ منهم ، بينما لم يبق من بني أمية أحد يُعبَأُ به .
هذا وإنَّ للمفسرين آراءً أخرى في معنى الكوثر تصل إلى ( 26 ) رأياً ، منها : العِلْم ، النبوَّة ، القرآن ، الشفَاعة ، شَرَف الجنة ، الحوض ، إلى غيرها من الأقوال في معنى الكوثر ، لكنَّ جميع ما قيل في معنى الكوثر يندرج تحت عنوان الخير الكثير ، فلا تناقض بين الأقوال إذن .
وممّا يؤيِّد ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قد فَسَّر الكوثر بالخير الكثير ، فقال له سعيد بن جبير : ان أناساً يقولون هو نهر في الجنة .
فقال : هو من الخير الكثير .
ولعلَّ أحسن الأقوال وأكثرها إنطباقاً على سبب نزول السورة هو ما قيل بأن المراد من الكوثر كثرة النسل والذرية .
وقد ظهر ذلك في نسله ( صلى الله عليه وآله ) من ولد فاطمة ( عليها السلام ) ، إذ لا ينحصر عددهم ، بل يتَّصل بحمد الله إلى آخر الدهر مَدَدهم ، وهذا يطابق ما ورد في سبب نزول السورة .
بل وهذا الرأي أرجحُ في ميزان التحليل العلمي المُحايِد ، لأن الآية جاءت رداً على تعيير النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعدم استمرار نسله ، فنزلت الآية لكي تُقرِّر في الحقيقة أمرين :
الأول : أنَّ البنت هي كالابن ، من حيث اعتبارها من الذرِّية والنسل والعقب .
الثاني : إن الله عَزَّ وجَلَّ سَيرزُقُ النبي ( صلى الله عليه وآله ) من هذه البنت نسلاً وذرية ، وإن اسمه ( صلَّى الله عليه وآله ) سيبقى حياً ومتألقاً على مرِّ العصور ، وعلى طول التاريخ .
والمتأمِّل في التأريخ الإسلامي على امتداده إلى يومنا هذا ، يتيقَّن عمق الأصالة الإيمانية ، والروح المحمدية في مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) .
ولذا نجد أن حقَّهم ( عليهم السلام ) من الحقوق الواجب على المؤمنين والمؤمنات معرفتها ، كمعرفتهم وطاعتهم وموالاتهم ، وغير ذلك من الحقوق الأخرى .
ولم يوجب الله تعالى علينا أداء حقوقهم ( عليهم السلام ) إلاَّ لأنهم أهل الحق ، والنجاة ، والصراط المستقيم ، وباب الله العظيم .
ولقد تكرَّم الله تعالى على نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) بفيوضات كثيرة ، وَنِعَمٍ متعدِّدة ، وهباتٍ جزيلة ، ذكرها في كتابه الكريم .
ويكفيه ما أعطاه من نعمة الرضا فقال : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
ولكن مع ذلك لا يفوتنا أن نذكر ما تحصل عليه ( صلى الله عليه وآله ) من خير هو أساس الخير كله على الأمة الإسلامية عامة ، وعلى الأمة الشيعية خاصة , ألا وهو الكوثر .

أخيراً :

وبناءً ما مرَّ نقول : إنَّ كلَّ المعاني التي جاءت لتوضيح الكوثر - وإن اختَلَفَت في ألفاظها - إلا أنَّ لها اتِّحاد في المعنى ، وتُصَبُّ تحت قالب واحد ، وهو كون تَمَتَّع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالخير السخِي المُستمر .
والله تعالى إضافة للبُشرى المستمرة في بقاء هذه النعمة واستمرارها ليوم القيامة ، يشير سبحانه إلى قضية الإخبار بالمستقبل أيضا ، وهذا إخبار إعجازي يدل ويثبت ظهور الخير بعد زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، سواء بَعُدَ أم قَرُب .
ولو رجعنا إلى سبب نزول السورة لعرفنا أن القوم وسموا النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأبتر ، أي الشخص المَعْدوم العقب ، وجاءت الآية لتقول : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) الكوثر : 1 .
إذن فالخير الكثير ، أو الكوثر هي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، لماذا ؟ ، لأن نسل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) انتشر بواسطة الزهراء ( عليها السلام ) ، مع العلم أن امتداد الذرية الطيِّبة لم يكن فقط جسماني ، بل رساليٌ أيضاً .
وبما أن علماء الأمة الإسلامية هُم حُمَاة الشريعة ، والذين يدفعون عنها كل الشُبُهات فما كان عِلمهم إلاَّ من نتاج هذا الكوثر .
وكون المذهب الشيعي منبثق من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وهُم درٌّ مستخرج من بحر فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ولؤلؤ أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، والعلماء يأخذون من فيض هذا البحر العميق بلا قاع .
فيمكن القول أيضاً : إن من مصاديق الكوثر هو ما يقدّمه العلماء الكرام من خدمات رسالية جليلة للإسلام .

فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) نموذج المرأة الكاملة

كان بيت علي وفاطمة ( عليهما السلام ) أروع نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة ، تعاونا فيه بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله .
إنّ الزهراء خرّيجة مدرسة الوحي ، وهي تعلم أنّ مكان المرأة من المواقع المهمّة في الإسلام ، وإذا ما تخلّت عنه وسرحت في الميادين الأُخرى عجزت عن القيام بوظائف تربية الأبناء كما ينبغي .
لقد كانت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تبذل قصارى جهدها لإسعاد أُسرتها ، ولم تستثقل أداء مهام البيت ، رغم كلّ الصعوبات والمشاق ، حتّى أنّ علياً أمير المؤمنين ( عليه السلام ) رقّ لحالها وامتدح صنعها ، وقال لرجل من بني سعد : ( ألا أُحدّثك عنّي وعن فاطمة ، إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله ( صلى الله عليه وآله ) إليه ، وإنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد .
فقلت لها : لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل ، فأتت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فوجدت عنده حدّاثاً فاستحت فانصرفت ) .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فَعلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّها جاءت لحاجة ) .
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فغدا علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن في لِفاعنا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : السلام عليكم ، فقلت : وعليك السلام يا رسول الله أُدخل ، فلم يعد أن يجلس عندنا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا فاطمة ، ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ) ؟
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فخشيت إن لم تجبه أن يقوم ، فقلت : أنا والله أُخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتّى أثّرت في صدرها ، وجرّت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها .
فقلت لها : لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك ضرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أفلا أُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ، إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين وأحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبّرا أربعاً وثلاثين ) .
فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( مَضَيتِ تريدين من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الدنيا ، فأعطانا الله ثواب الآخرة ) .
وروي أنّه دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) فوجده هو وفاطمة ( عليهما السلام ) يطحنان في الجاروش ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أيّكما أعيى ) ؟ فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فاطمة يا رسول الله ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قومي يا بنية ) ، فقامت وجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) موضعها مع الإمام علي ( عليه السلام ) فواساه في طحن الحبّ .
وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ( يا بنتاه ، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( يا رسول الله ، الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائهِ ) ، فأنزل الله تعالى ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) الضحى : 5 .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحتطب ويستقي ويكنس ، وكانت فاطمة ( عليها السلام ) تطحن وتعجن وتخبز ) .
وعن أسماء بنت عميس عن فاطمة ( عليها السلام ) : ( أنّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أتى يوماً فقال : أين ابناي ) ؟ يعني حسناً وحسيناً ، ( فقلت : أصبحنا وليس عندنا في بيتنا شيء يذوقه ذائق . فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : اذهب بهما إلى فلان ؟ فتوجّه إليهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، ألا تقلب إبنيّ قبل أن يشتدّ الحرّ عليهما ؟ فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : أصبحنا وليس في بيتنا شيء ، فلو جلست يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة تمرات ، فلمّا اجتمع له شيء من التمر جعله في حجره ثمّ عاد إلى البيت ) .
هذه هي الدنيا في عين فاطمة ( عليها السلام ) مواجهة للمعاناة ، وتألّم من الجوع ، وانهيار من التعب ، ولكن كلّ ذلك يبدو ممزوجاً بحلاوة الصبر وندى الإيثار ، لأنّ وراءه نعيماً لا انتهاء له ، حصة يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب .
إنّ إلقاء نظرة فاحصة على حياة الزهراء ( عليها السلام ) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقّة لم تتغيّر حتّى بعد أن أصبحت موفورة المال ، في سعة من العيش ـ خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها فدكاً وغيرها ـ عمّا كانت عليه قبل ذلك رغم غلّتها الوافرة ، إذ روي أنّ فدكاً كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار ، وفي رواية سبعين ألف دينار سنوياً .
فالزهراء ( عليها السلام ) لم تعمّر الدور ، ولم تبن القصور ، ولم تلبس الحرير والديباج ، ولم تَقْتَنِ النفائس ، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين ، وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام .

وصية الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام )

دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فوجدها تطحن شعيراً وهي تبكي ، فقال لها ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما الذي أبكاك يا فاطمة ؟ ﻻ أبكى الله لك عيناً ) ؟
فقالت ( عليها السلام ) : ( أبكاني مكابدة الطحين ، وشغل البيت وأنا حامل ، فلو سألت عليّاً أن يشتري جارية تساعدني على الطحين ، وشغل البيت ) .
فجلس النبي ( صلى الله عليه وآله ) وألقى الطحين في الرحى وهي تدور وحدها حتّى فرغ ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أسكني أيّتها الرحى ) .
ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا فاطمة ! لو شاء الله تعالى لطحنت الرحى وحدها ، وكذلك أراد الله تعالى أن يكتب لك الحسنات ، ويمحو عنك السيّئات ، ويرفع لك الدرجات في الجنّة في احتمال الأذى والمشقّات .
يا فاطمة ! ما من امرأة طحنت بيديها ، إلاّ كتب الله لها بكلّ حبّة حسنة ، ومحا عنها بكلّ حبّة سيّئة .

يا فاطمة ! ما من امرأة عرقت عند خبزها ، إلاّ جعل الله بينها وبين جهنّم سبعة خنادق من الرحمة .

يا فاطمة ! ما من امرأة غسلت قدرها ، إلاّ غسلها الله من الذنوب والخطايا .

يا فاطمة ! ما من امرأة نسجت ثوباً إلاّ كتب الله لها بكلّ خيط واحد مائة حسنة ، ومحا عنها مائة سيّئة .

يا فاطمة ! أفضل أعمال النساء المغازل .

يا فاطمة ! ما من امرأة برمت مغزلها ، إلاّ كان له دويّ تحت العرش ، فتستغفر لها الملائكة في السماء .

يا فاطمة ! ما من امرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها ، إلاّ كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع ، وأكسى ألف عريان .

يا فاطمة ! ما من امرأة دهّنت رؤوس أولادها ، وسرّحت شعورهم ، وغسلت ثيابهم ، وقتلت قمّلهم ، إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة حسنة ، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة ، وزيّنها في أعين النّاس أجمعين .

يا فاطمة ! ما من امرأة منعت حاجة جارتها ، إلاّ منعها الله الشرب من حوضي يوم القيامة .

يا فاطمة ! خمسة من الماعون ﻻ يحلّ منعهنّ : الماء ، والنّار ، والخمير ، والرحى ، والإبرة ، ولكلّ واحد منهنّ آفة ، فمن منع الماء بلي بعلّة الاستسقاء ، ومن منع الخمير بلي بالغاشية ، ومن منع الرحى بلي بصداع الرأس ، ومن منع الإبرة بلي بالمغص .

يا فاطمة ! أفضل من ذلك كلّه رضا الله ، ورضا الزوج عن زوجته .

يا فاطمة ! والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو متّ ، وزوجك غير راض عنك ما صلّيت عليك .

يا فاطمة ! أما علمت أنّ رضا الزوج من رضا الله ، وسخط الزوج من سخط الله ؟

يا فاطمة ! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها ، ولو ساعة من النهار .

يا فاطمة ! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة ، إلاّ كان لها عند الله أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها .

يا فاطمة ! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار ، إلاّ كتب الله لها بكلّ شعرة في جسمها حسنة ، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة .

يا فاطمة ! إنّ أفضل عبادة المرأة في شدّة الظلمة أن تلتزم بيتها .

يا فاطمة ! أيّ امرأة رضي عنها زوجها ، لم تخرج من الدنيا حتّى ترى مقعدها في الجنّة ، ولا تخرج روحها من جسدها حتّى تشرب من حوضي .

يا فاطمة ! ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلاّ وجبت لها الجنّة .

يا فاطمة ! امرأة بلا زوج كدارٍ بلا باب ، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة .

يا فاطمة ! جلسة بين يدي الزوّج أفضل من عبادة سنة ، وأفضل من طواف .

يا فاطمة ! إذا حملت المرأة تستغفر لها الملائكة في السماء ، والحيتان في البحر ، وكتب الله لها في كلّ يوم ألف حسنة ، ومحا عنها ألف سيّئة .

فإذا أخذها الطلق ، كتب الله لها ثواب المجاهدين وثواب الشهداء والصالحين ، وغسلت من ذنوبها كيوم ولدتها أمّها ، وكتب الله لها ثواب سبعين حجّة .

فإن أرضعت ولدها كتب الله لها بكلّ قطرة من لبنها حسنة ، وكفّر عنها سيّئة ، واستغفر لها الحور العين في جنّات النعيم .

يا فاطمة ! ما من امرأة عبست في وجه زوجها ، إلاّ غضب الله عليها وزبانية العذاب .

يا فاطمة ! ما من امرأة منعت زوجها في الفراش ، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس .

يا فاطمة ! ما من امرأة قالت لزوجها : أفّاً لك ، إلاّ لعنها الله ، من فوق العرش والملائكة والنّاس أجمعين .

يا فاطمة ! ما من امرأة خفّفت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً ، إلاّ كتب الله لها بكلّ درهم واحد قصراً في الجنّة .

يا فاطمة ! ما من امرأة صلّت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها ، إلاّ ردّ الله عليها صلاتها ، حتّى تدعو لزوجها .

يا فاطمة ! ما من امرأة غضب عليها زوجها ، ولم تسترض منه حتّى يرضى ، إلاّ كانت في سخط الله وغضبه ، حتّى يرضى عنها زوجها .

يا فاطمة ! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها ، إلاّ لعنها كلّ رطب ويابس حتّى ترجع إلى بيتها .

يا فاطمة ! ما من امرأة نظرت إلى وجه زوجها ولم تضحك له ، إلاّ غضب الله عليها في كلّ شيء .

يا فاطمة ! ما من امرأة كشفت وجهها لغير زوجها ، إلاّ أكبّها الله على وجهها في النار .

يا فاطمة ! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها ، إلاّ أدخل الله في قبرها سبعين حيّة وسبعين عقربة ، يلدغونها إلى يوم القيامة .

يا فاطمة ! ما من امرأة صامت صيام التطوّع ولم تستشر زوجها ، إلاّ ردّ الله صيامها .

يا فاطمة ! ما من امرأة تصدّقت من مال زوجها ، إلاّ كتب الله عليها ذنوب سبعين سارقاً ) .
فقالت له فاطمة ( عليها السّلام ) : ( يا أبتاه ، متى تدرك النساء ، فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى ) ؟
فقال لها ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألا أدلّك على شيء تدركين به المجاهدين وأنت في بيتك ) ؟ فقالت : ( نعم يا أبتاه ) .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( تصلّين في كلّ يوم ركعتين تقرئين في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة ، و( قل هو الله أحد ) ثلاث مرّات ، فمن فعل ذلك ، كتب الله له ولها ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى ) .

وصية فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) للإمام علي ( عليه السلام )

في الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها ـ طيلة هذه المدّة ـ من الوصايا التي يجب تنفيذها .
فقالت ( عليها السلام ) لعلي ( عليه السلام ) : ( يا بن عمّ ، إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي ، وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أُوصيك بأشياء في قلبي ) .
قال لها الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله ) ، فجلس عند رأسها ، وأخرج من كان في البيت ، فقالت ( عليها السلام ) : ( يا بن عمّ ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ) ؟
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( معاذ الله أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم ، وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي ، وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لابد منه ، والله لقد جدّدتِ عليَّ مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها ، وآلمها وأمضّها وأحزنها !! هذه مصيبة لا عزاء منها ، ورزية لا خلف لها ) .
ثمّ بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ الإمام ( عليه السلام ) رأسها وضمّها إلى صدره ، ثمّ قال : ( أوصيني بما شئت ، فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به ، وأختار أمركِ على أمري ) .
فقالت ( عليها السلام ) : ( جزاكَ الله عنّي خير الجزاء ، يا بن عمّ أُوصيك أوّلاً : أن تتزوّج بعدي بابنة أختي امامة ، فإنّها تكون لولدي مثلي ، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء ) .
ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ) .
ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( يا بن العمّ ، إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي ، فإنّي طاهرة مطهّرة ، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصَلِّ عليَّ ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي ، وادفني ليلاً لا نهاراً ، وسرّاً لا جهاراً ، وعفَّ موضع قبري ، ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني .
يا بن العمّ ، أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي ، فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً ، واجعل لأولادي يوماً وليلةً ، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين ، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أُمّهما ) .
وروى ابن عباس وصية مكتوبة لها ( عليها السلام ) جاء فيها : ( هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأَنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأَنّ الله يبعث من في القبور .يا علي أنا فاطمة بنت محمّد ، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل ، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل ، ولا تُعلم أحداً ، وأستودعك الله ، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة ) .